responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 253
فَصْلٌ
الْفِرْقَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْمٌ نَفَوْا الْحِكْمَةَ وَالتَّعْلِيلَ وَالْأَسْبَابَ، وَأَقَرُّوا بِالْقِيَاسِ كَأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَأَتْبَاعِهِ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ، وَقَالُوا: إنَّ عِلَلَ الشَّرْعِ إنَّمَا هِيَ مُجَرَّدُ أَمَارَاتٍ وَعَلَامَاتٍ مَحْضَةٍ كَمَا قَالُوهُ فِي تَرْكِ الْأَسْبَابِ وَقَالُوا: إنَّ الدُّعَاءَ عَلَامَةٌ مَحْضَةٌ عَلَى حُصُولِ الْمَطْلُوبِ، لَا أَنَّهُ سَبَبٌ فِيهِ، وَالْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ وَالْقَبِيحَةُ عَلَامَاتٌ مَحْضَةٌ لَيْسَتْ سَبَبًا فِي حُصُولِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا وَجَدُوهُ مِنْ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ مُقْتَرِنًا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ قَالُوا أَحَدُهُمَا دَلِيلٌ عَلَى الْآخَرِ، مُقَارِنٌ لَهُ اقْتِرَانًا عَادِيًا، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا ارْتِبَاطُ سَبَبِيَّةٍ وَلَا عِلَّةٍ وَلَا حِكْمَةٍ، وَلَا لَهُ فِيهِ تَأْثِيرٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ.
وَلَيْسَ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ غَيْرُ أَقْوَالِ هَؤُلَاءِ الْفِرَقِ الثَّلَاثَةِ، وَطَالِبُ الْحَقِّ إذَا رَأَى مَا فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ مِنْ الْفَسَادِ وَالتَّنَاقُضِ وَالِاضْطِرَابِ وَمُنَاقَضَةِ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ وَمُعَارَضَةِ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ بَقِيَ فِي الْحِيرَةِ، فَتَارَةً يَتَحَيَّزُ إلَى فِرْقَةٍ مِنْهَا، لَهُ مَا لَهَا وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهَا، وَتَارَةً يَتَرَدَّدُ بَيْنَ هَذِهِ الْفِرَقِ تَمِيمِيًّا مَرَّةً وَقَيْسِيًّا أُخْرَى، وَتَارَةً يُلْقِي الْحَرْبَ بَيْنَهُمَا وَيَقِفُ فِي النَّظَّارَةِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ خَفَاءُ الطَّرِيقَةِ الْمُثْلَى وَالْمَذْهَبِ الْوَسَطِ الَّذِي هُوَ فِي الْمَذَاهِبِ كَالْإِسْلَامِ فِي الْأَدْيَانِ، وَعَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا وَالْفُقَهَاءُ الْمُعْتَبَرُونَ مِنْ إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَالْأَسْبَابِ وَالْغَايَاتِ الْمَحْمُودَةِ فِي خَلْقِهِ - سُبْحَانَهُ - وَأَمْرِهِ، وَإِثْبَاتِ لَامَ التَّعْلِيلِ وَبَاءِ السَّبَبِيَّةِ فِي الْقَضَاءِ وَالشَّرْعِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ مَعَ صَرِيحِ الْعَقْلِ وَالْفِطْرَةِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالْمِيزَانُ.
وَمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ رَآهُ يُنْكِرُ قَوْلَ الطَّائِفَتَيْنِ الْمُنْحَرِفَتَيْنِ عَنْ الْوَسَطِ، فَيُنْكِرُ قَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ الْمُكَذِّبِينَ بِالْقَدَرِ، وَقَوْلَ الْجَهْمِيَّةِ الْمُنْكَرِينَ لِلْحُكْمِ وَالْأَسْبَابِ وَالرَّحْمَةِ، فَلَا يَرْضُونَ لِأَنْفُسِهِمْ بِقَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ الْمَجُوسِيَّةِ، وَلَا بِقَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ الْجَبْرِيَّةِ نُفَاةِ الْحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالتَّعْلِيلِ. وَعَامَّةُ الْبِدَعِ الْمُحْدَثَةِ فِي أُصُولِ الدِّينِ مِنْ قَوْلِ هَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ الْجَهْمِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ. وَالْجَهْمِيَّةُ رُءُوسُ الْجَبْرِيَّةِ وَأَئِمَّتُهُمْ أَنْكَرُوا حِكْمَةَ اللَّهِ وَرَحْمَتَهُ وَإِنْ أَقَرُّوا بِلَفْظٍ مُجَرَّدٍ فَارِغٍ عَنْ حَقِيقَةِ الْحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ. وَالْقَدَرِيَّةُ وَالنَّفَّات أَنْكَرُوا كَمَالَ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، فَأُولَئِكَ أَثْبَتُوا نَوْعًا مِنْ الْمُلْكِ بِلَا حَمْدٍ، وَهَؤُلَاءِ أَثْبَتُوا نَوْعًا مِنْ الْحَمْدِ بِلَا مُلْكٍ، فَأَنْكَرَ أُولَئِكَ عُمُومَ حَمْدِهِ، وَأَنْكَرَ هَؤُلَاءِ عُمُومَ مُلْكِهِ، وَأَثْبَتَ لَهُ الرُّسُلُ وَأَتْبَاعُهُمْ عُمُومَ الْمُلْكِ وَعُمُومَ الْحَمْدِ كَمَا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ، فَلَهُ كَمَالُ الْمُلْكِ وَكَمَالُ الْحَمْدِ، فَلَا يَخْرُجُ عَيْنٌ وَلَا فِعْلٌ عَنْ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَمُلْكِهِ، وَلَهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ حِكْمَةٌ وَغَايَةٌ مَطْلُوبَةٌ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا الْحَمْدَ، وَهُوَ فِي عُمُومِ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَمُلْكِهِ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَهُوَ حَمْدُهُ الَّذِي يَتَصَرَّفُ فِي مُلْكِهِ بِهِ وَلِأَجْلِهِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ كَمَا انْقَسَمُوا إلَى ثَلَاثِ فِرَقٍ فِي هَذَا الْأَصْلِ انْقَسَمُوا فِي فَرْعِهِ - وَهُوَ

اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 253
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست