responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 242
عَلَيْهِمْ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَرَضُوا، أَرَضِيتُمْ؟ فَقَالُوا: لَا، فَهَمَّ الْمُهَاجِرُونَ بِهِمْ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَكُفُّوا عَنْهُمْ، فَكَفُّوا عَنْهُمْ، ثُمَّ دَعَاهُمْ فَزَادَهُمْ، فَقَالَ: أَرَضِيتُمْ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ: إنِّي خَاطِبٌ عَلَى النَّاسِ وَمُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَخَطَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَرَضِيتُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ» .
وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْقَوَدِ فِي الشَّجَّةِ وَلِهَذَا صُولِحُوا مِنْ الْقَوَدِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ حَتَّى رَضُوا، وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ الْأَرْشَ فَقَطْ لَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ طَلَبُوا الْقَوَدَ: إنَّهُ لَا حَقَّ لَكُمْ فِيهِ، وَإِنَّمَا حَقُّكُمْ فِي الْأَرْشِ.
فَهَذِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْقُرْآنِ، وَهَذَا مَحْضُ الْقِيَاسِ، فَعَارَضَ الْمَانِعُونَ هَذَا كُلَّهُ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ وَقَالُوا: اللَّطْمَةُ وَالضَّرْبَةُ لَا يُمْكِنُ فِيهِمَا الْمُمَاثَلَةُ، وَالْقِصَاصُ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْمُمَاثَلَةِ.
وَنَظَرُ الصَّحَابَةِ أَكْمَلُ وَأَصَحُّ وَأَتْبَعُ لِلْقِيَاسِ، كَمَا هُوَ أَتْبَعُ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنَّ الْمُمَاثَلَةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مُتَعَذِّرَةٌ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَحَدُ أَمْرَيْنِ: قِصَاصٌ قَرِيبٌ إلَى الْمُمَاثَلَةِ، أَوْ تَعْزِيرٌ بَعِيدٌ مِنْهَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ جِنْسُ الْجِنَايَةِ وَلَا قَدْرُهَا، بَلْ قَدْ يُعَزَّرُ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا، وَقَدْ يَكُونُ لَطَمَهُ، أَوْ ضَرَبَهُ بِيَدِهِ، فَأَيْنَ حَرَارَةُ السَّوْطِ وَيُبْسُهُ إلَى لِينِ الْيَدِ، وَقَدْ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ.
وَفِي الْعُقُوبَةِ بِجِنْسِ مَا فَعَلَهُ تَحَرٍّ لِلْمُمَاثِلَةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَأَنْزَلَ بِهِ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ، فَإِنَّهُ قِصَاصٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْعُضْوِ فِي مِثْلِ الْمَحَلِّ الَّذِي ضَرَبَ فِيهِ بِقَدْرِهِ، وَقَدْ يُسَاوِيهِ، أَوْ يَزِيدُ قَلِيلًا، أَوْ يَنْقُصُ قَلِيلًا، وَذَلِكَ عَفْوٌ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ التَّكْلِيفِ، كَمَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ التَّكْلِيفِ الْمُسَاوَاةُ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [الأنعام: 152] فَأَمَرَ بِالْعَدْلِ الْمَقْدُورِ، وَعَفَا عَنْ غَيْرِ الْمَقْدُورِ مِنْهُ.
وَأَمَّا التَّعْزِيرُ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى قِصَاصًا، فَإِنَّ لَفْظَ الْقِصَاصِ يَدُلُّ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ، وَمِنْهُ قَصَّ الْأَثَرَ إذَا اتَّبَعَهُ وَقَصَّ الْحَدِيثَ إذَا أَتَى بِهِ عَلَى وَجْهِهِ، وَالْمُقَاصَّةُ: سُقُوطُ أَحَدِ الدَّيْنَيْنِ بِمِثْلِهِ جِنْسًا وَصِفَةً، وَإِنَّمَا هُوَ تَقْوِيمٌ لِلْجِنَايَةِ، فَهُوَ قِيمَةٌ لِغَيْرِ الْمِثْلِيِّ وَالْعُدُولُ إلَيْهِ كَالْعُدُولِ إلَى قِيمَةِ الْمُتْلَفِ، وَهُوَ ضَرْبٌ لَهُ بِغَيْرِ تِلْكَ الْآلَةِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ. وَهُوَ إمَّا زَائِدٌ وَإِمَّا نَاقِصٌ، وَلَا يَكُونُ مُمَاثِلًا وَلَا قَرِيبًا مِنْ الْمِثْلِ.
فَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى الْقِيَاسِ، وَالثَّانِي تَقْوِيمٌ لِلْجِنَايَةِ بِغَيْرِ جِنْسِهَا كَبَدَلِ الْمُتْلَفِ، وَالنِّزَاعُ أَيْضًا فِيهِ وَاقِعٌ إذَا لَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ وَالْآنِيَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْمَعْدُودَاتِ وَالْمَذْرُوعَاتِ، فَأَكْثَرُ الْقِيَاسِيِّينَ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ قَالُوا: الْوَاجِبُ فِي بَدَلِ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِتْلَافِ الْقِيمَةُ، قَالُوا: لِأَنَّ الْمِثْلَ فِي الْجِنْسِ يَتَعَذَّرُ، ثُمَّ طَرَدَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ قِيَاسَهُمْ فَقَالُوا: وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ إنَّمَا تَجِبُ قِيمَتُهُ لَا مِثْلُهُ كَمَا لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا. ثُمَّ طَرَدُوا هَذَا الْقِيَاسَ فِي الْقَرْضِ فَقَالُوا: لَا يَجُوزُ قَرْضُ

اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 242
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست