responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 239
السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَفَاءَ بِهِ أَحَقُّ مِنْ الْوَفَاءِ بِكُلِّ شَرْطٍ، وَكَمَا صَحَّحَتْ السُّنَّةُ اشْتِرَاطَ انْتِفَاعِ الْبَائِعِ بِالْمَبِيعِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، فَأَبْطَلْتُمْ ذَلِكَ، وَقُلْتُمْ: يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَصَحَّحْتُمْ الشُّرُوطَ الْمُخَالِفَةَ بِمُقْتَضَى عَقْدِ الْوَقْفِ لِعَقْدِ الْوَقْفِ، إذْ هُوَ عَقْدُ قُرْبَةٍ مُقْتَضَاهُ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَلَا رَيْبَ أَنَّ شَرْطَ مَا يُخَالِفُ الْقُرْبَةَ يُنَاقِضُهُ مُنَاقَضَةً صَرِيحَةً، فَإِذَا شَرَطَ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ فِي مَكَان لَا يُصَلِّي فِيهِ إلَّا هُوَ وَحْدَهُ أَوْ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ أَوْ اثْنَانِ فَعُدُولُهُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ مَعَ قِدَمِهِ وَكَثْرَةِ جَمَاعَتِهِ فَيَتَعَدَّاهُ إلَى مَكَان أَقَلَّ جَمَاعَةً وَأَنْقَصَ فَضِيلَةً وَأَقَلَّ أَجْرًا اتِّبَاعًا لِشَرْطِ الْوَاقِفِ الْمُخَالِفِ لِمُقْتَضَى عَقْدِ الْوَقْفِ خُرُوجٌ عَنْ مَحْضِ الْقِيَاسِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْعِبَادَةَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْهَا عِنْدَ الْقُبُورِ، فَإِذَا مَنَعْتُمْ فِعْلَهَا فِي بُيُوتِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - وَأَوْجَبْتُمْ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ [فِعْلَهَا] بَيْنَ الْمَقَابِرِ إنْ أَرَادَ أَنْ يَتَنَاوَلَ الْوَقْفَ وَإِلَّا كَانَ تَنَاوُلُهُ حَرَامًا كُنْتُمْ قَدْ أَلْزَمْتُمُوهُ بِتَرْكِ الْأَحَبِّ إلَى اللَّهِ الْأَنْفَعِ لِلْعَبْدِ، وَالْعُدُولِ إلَى الْأَنْقَصِ الْمَفْضُولِ أَوْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِقَصْدِ الشَّارِعِ تَفْصِيلًا وَقَصْدِ الْوَاقِفِ إجْمَالًا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَقْصِدُ الْأَرْضَى لِلَّهِ وَالْأَحَبَّ إلَيْهِ، وَلَمَّا كَانَ فِي ظَنِّهِ أَنَّ هَذَا إرْضَاءً لِلَّهِ اشْتَرَطَهُ، فَنَحْنُ نَظَرْنَا إلَى مَقْصُودِهِ وَمَقْصُودِ الشَّارِعِ، وَأَنْتُمْ نَظَرْتُمْ إلَى مُجَرَّدِ لَفْظِهِ سَوَاءٌ وَافَقَ رِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَقْصُودَهُ فِي نَفْسِهِ أَوْ لَا، ثُمَّ لَا يُمْكِنُكُمْ طَرْدُ ذَلِكَ أَبَدًا، فَإِنَّهُ لَوْ شَرَطَ أَنْ يُصَلِّيَ وَحْدَهُ حَتَّى لَا يُخَالِطَ النَّاسَ بَلْ يَتَوَفَّرَ عَلَى الْخَلْوَةِ وَالذِّكْرِ، أَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ بِالْعِلْمِ وَالْفِقْهِ لِيَتَوَفَّرَ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَصَلَاةِ اللَّيْلِ وَصِيَامِ النَّهَارِ، أَوْ شَرَطَ عَلَى الْفُقَهَاءِ أَلَّا يُجَاهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَصُومُوا تَطَوُّعًا وَلَا يُصَلُّوا النَّوَافِلَ وَأَمْثَالَ ذَلِكَ، فَهَلْ يُمْكِنُكُمْ تَصْحِيحُ هَذِهِ الشُّرُوطِ؟ فَإِنْ أَبْطَلْتُمُوهَا فَعَقْدُ النِّكَاحِ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضِهَا، أَوْ مُسَاوٍ لَهُ فِي أَصْلِ الْقُرْبَةِ، وَفِعْلُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ الْعَتِيقِ الْأَكْثَرِ جَمَاعَةً أَفْضَلُ، وَذِكْرُ اللَّهِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِنْهُ بَيْنَ الْقُبُورِ، فَكَيْفَ تُلْزِمُونَ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ الْمَفْضُولَةِ وَتُبْطِلُونَ ذَلِكَ؟ فَمَا هُوَ الْفَارِقُ بَيْنَ مَا يَصِحُّ مِنْ الشُّرُوطِ وَمَا لَا يَصِحُّ؟
ثُمَّ لَوْ شَرَطَ الْمَبِيتَ فِي الْمَكَانِ الْمَوْقُوفِ وَلَمْ يَشْتَرِطَ التَّعَزُّبَ فَأَبَحْتُمْ لَهُ التَّزَوُّجَ فَطَالَبَتْهُ الزَّوْجَةُ بِحَقِّهَا مِنْ الْمَبِيتِ وَطَالَبْتُمُوهُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ مِنْهُ فَكَيْفَ تَقْسِمُونَهُ بَيْنَهُمَا؟ أَمْ مَاذَا تُقَدِّمُونَ: مَا أَوْجَبَهُ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ الْمَبِيتِ وَالْقَسْمِ لِلزَّوْجَةِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ مَصْلَحَةِ الزَّوْجَيْنِ وَصِيَانَةِ الْمَرْأَةِ وَحِفْظِهَا وَحُصُولِ الْإِيوَاءِ الْمَطْلُوبِ مِنْ النِّكَاحِ، أَمْ مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ وَتَجْعَلُونَ شَرْطَهُ أَحَقَّ وَالْوَفَاءَ بِهِ أَلْزَمَ؟ أَمْ تَمْنَعُونَهُ مِنْ النِّكَاحِ وَالشَّارِعُ وَالْوَاقِفُ لَمْ يَمْنَعَاهُ مِنْهُ؟ فَالْحَقُّ أَنَّ مَبِيتَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ إنْ كَانَ أَحَبَّ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ جَازَ لَهُ، بَلْ اُسْتُحِبَّ تَرْكُ شَرْطِ

اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 239
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست