responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 175
قَالَ نُفَاةُ الْقِيَاسِ: وَالْإِخْبَارُ عَنْهُ بِأَنَّهُ حَرَّمَ مَا سَكَتَ عَنْهُ أَوْ أَوْجَبَهُ قِيَاسًا عَلَى مَا تَكَلَّمَ بِتَحْرِيمِهِ أَوْ إيجَابِهِ تَقَدُّمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: " حَرَّمْتُ عَلَيْكُمْ الرِّبَا فِي الْبُرِّ " فَقُلْنَا: وَنَحْنُ نَقِيسُ عَلَى قَوْلِكَ الْبَلُّوطَ، فَهَذَا مَحْضُ التَّقَدُّمِ.
قَالُوا: وَقَدْ حَرَّمَ - سُبْحَانَهُ - أَنْ نَقُولَ عَلَيْهِ مَا لَا نَعْلَمُ، فَإِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ فَقَدْ وَاقَعْنَا هَذَا الْمُحَرَّمَ يَقِينًا، فَإِنَّا غَيْرُ عَالَمِينَ بِأَنَّهُ أَرَادَ مِنْ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ تَحْرِيمَهُ فِي الْقَدِيدِ مِنْ اللُّحُومِ، وَهَذَا قَفْوٌ مِنَّا مَا لَيْسَ لَنَا بِهِ عِلْمٌ، وَتَعَدٍّ لِمَا حُدَّ لَنَا، " وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ "، وَالْوَاجِبُ أَنْ نَقِفَ عِنْدَ حُدُودِهِ، وَلَا نَتَجَاوَزَهَا وَلَا نُقَصِّرَ بِهَا.
وَلَا يُقَالُ: فَإِبْطَالُ الْقِيَاسِ وَتَحْرِيمُهُ وَالنَّهْيُ عَنْهُ تَقَدُّمٌ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَتَحْرِيمٌ لِمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَقَفْوٌ مِنْكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ [عِلْمٌ] ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَخْرَجْنَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِنَا لَا نَعْلَمُ شَيْئًا، وَأَنْزَلَ عَلَيْنَا كِتَابَهُ، وَأَرْسَلَ إلَيْنَا رَسُولَهُ يُعَلِّمُنَا الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، فَمَا عَلِمْنَاهُ وَبَيَّنَهُ لَنَا فَهُوَ مِنْ الدِّينِ، وَمَا لَمْ يُعَلِّمْنَاهُ وَلَا بَيَّنَ لَنَا أَنَّهُ مِنْ الدِّينِ فَلَيْسَ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً، وَكُلُّ مَا لَيْسَ مِنْ الدِّينِ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ فَلَيْسَ بَعْدَ الْحَقِّ إلَّا الضَّلَالُ؛ وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] ، فَاَلَّذِي أَكْمَلَهُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - وَبَيَّنَهُ وَهُوَ دِينُنَا، لَا دَيْنَ لَنَا سِوَاهُ، فَأَيْنَ فِيمَا أَكْمَلَهُ لَنَا " قِيسُوا مَا سَكَتُّ عَنْهُ عَلَى مَا تَكَلَّمْتُ بِإِيجَابِهِ أَوْ تَحْرِيمِهِ أَوْ إبَاحَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا عِلَّةً أَوْ دَلِيلَ عِلَّةٍ أَوْ وَصْفًا شَبَهِيًّا، فَاسْتَعْمِلُوا ذَلِكَ كُلَّهُ وَانْسِبُوهُ إلَيَّ وَإِلَى رَسُولِي وَإِلَى دِينِي وَاحْكُمُوا بِهِ عَلَيَّ ".
قَالُوا: وَقَدْ أَخْبَرَ - سُبْحَانَهُ -: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36] ، وَأَخْبَرَ رَسُولُهُ: " إنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ " وَنَهَى عَنْهُ، وَمِنْ أَعْظَمِ الظَّنِّ ظَنُّ الْقِيَاسِيِّينَ، فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى يَقِينٍ أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - حَرَّمَ بَيْعَ السِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ وَالْحَلْوَى بِالْعِنَبِ وَالنَّشَا بِالْبُرِّ، وَإِنَّمَا هِيَ ظُنُونٌ مُجَرَّدَةٌ لَا تُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا.
قَالُوا: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قِيَاسُ الضُّرَاطِ عَلَى " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ " مِنْ الظَّنِّ الَّذِي نُهِينَا عَنْ اتِّبَاعِهِ وَتَحْكِيمِهِ وَأَخْبَرَنَا أَنَّهُ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا فَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا ظَنٌّ بَاطِلٌ، فَأَيْنَ الضُّرَاطُ مِنْ " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ "؟ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قِيَاسُ الْمَاءِ الَّذِي لَاقَى الْأَعْضَاءَ الطَّاهِرَةَ الطَّيِّبَةَ عِنْدَ اللَّهِ فِي إزَالَةِ الْحَدَثِ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي لَاقَى أَخْبَثَ الْعَذِرَاتِ وَالْمَيْتَاتِ وَالنَّجَاسَاتِ ظَنًّا فَلَا نَدْرِي مَا الظَّنُّ الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - الْقَوْلَ بِهِ وَذَمَّهُ فِي كِتَابِهِ وَسَلَخَهُ مِنْ الْحَقِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قِيَاسُ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ عُبَّادِ الصُّلْبَانِ وَالْيَهُودِ الَّذِي هُمْ أَشَدُّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى

اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 175
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست