responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 168
فِي زَمَنِ الْوَحْيِ، وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ عَلَى الْمُرَادِ بِغَيْرِ لَفْظٍ، بَلْ بِمَا عُرِفَ مِنْ مُوجِبِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى بَاطِلٍ حَتَّى يُبَيِّنَهُ.
وَكَذَلِكَ اسْتِدْلَالُ الصِّدِّيقَةِ الْكُبْرَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ خَدِيجَةَ بِمَا عَرَفَتْهُ مِنْ حِكْمَةِ الرَّبِّ - تَعَالَى - وَكَمَالِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَرَحْمَتِهِ أَنَّهُ لَا يُخْزِي مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَإِنَّهُ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، وَإِنَّ مَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَإِنَّ الْعَزِيزَ الرَّحِيمَ الَّذِي هُوَ أَحْكُمُ الْحَاكِمِينَ وَإِلَهُ الْعَالَمِينَ لَا يُخْزِيهِ، وَلَا يُسَلِّطُ عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ، وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ مِنْهَا قَبْلَ ثُبُوتِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، بَلْ اسْتِدْلَالٌ عَلَى صِحَّتِهَا وَثُبُوتِهَا فِي حَقِّ مَنْ هَذَا شَأْنُهُ، فَهَذَا مَعْرِفَةٌ مِنْهَا بِمُرَادِ الرَّبِّ - تَعَالَى - وَمَا يَفْعَلُهُ مِنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ وَمُجَازَاتِهِ الْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ.
وَقَدْ كَانَتْ الصَّحَابَةُ أَفْهَمَ الْأَمَةِ لِمُرَادِ نَبِيِّهَا وَأَتْبَعَ لَهُ، وَإِنَّمَا كَانُوا يُدَنْدِنُونَ حَوْلَ مَعْرِفَةِ مُرَادِهِ وَمَقْصُودِهِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَظْهَرُ لَهُ مُرَادُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَعْدِلُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ أَلْبَتَّةَ.
[بِمَ يُعْرَفُ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ؟]
وَالْعِلْمُ بِمُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ يُعْرَفُ تَارَةً مِنْ عُمُومِ لَفْظِهِ، وَتَارَةً مِنْ عُمُومِ عِلَّتِهِ، وَالْحَوَالَةُ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْضَحُ لِأَرْبَابِ الْأَلْفَاظِ، وَعَلَى الثَّانِي أَوْضَحُ لِأَرْبَابِ الْمَعَانِي وَالْفَهْمِ وَالتَّدَبُّرِ، وَقَدْ يَعْرِضُ لِكُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ مَا يُخِلُّ بِمَعْرِفَةِ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ، فَيَعْرِضُ لِأَرْبَابِ الْأَلْفَاظِ التَّقْصِيرُ بِهَا عَنْ عُمُومِهَا، وَهَضْمُهَا تَارَةً وَتَحْمِيلُهَا فَوْقَ مَا أُرِيدَ بِهَا تَارَةً، وَيَعْرِضُ لِأَرْبَابِ الْمَعَانِي فِيهَا نَظِيرُ مَا يَعْرِضُ لِأَرْبَابِ الْأَلْفَاظِ فَهَذِهِ أَرْبَعُ آفَاتٍ هِيَ مُنْشَأُ غَلَطِ الْفَرِيقَيْنِ.
وَنَحْنُ نَذْكُرُ بَعْضَ الْأَمْثِلَةِ لِذَلِكَ لِيَعْتَبِرَ بِهِ غَيْرُهُ، فَنَقُولُ:
[بَعْضُ الْأَغْلَاطِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا أَهْلُ الْأَلْفَاظِ وَأَهْلُ الْمَعَانِي]
قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90] ، فَلَفْظُ الْخَمْرِ عَامٌّ فِي كُلِّ مُسْكِرٍ، فَإِخْرَاجُ بَعْضِ الْأَشْرِبَةِ الْمُسْكِرَةِ عَنْ شُمُولِ اسْمِ الْخَمْرِ لَهَا تَقْصِيرٌ بِهِ وَهَضْمٌ لِعُمُومِهِ، بَلْ الْحَقُّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ: كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَإِخْرَاجُ بَعْضِ أَنْوَاعِ الْمَيْسِرِ عَنْ شُمُولِ اسْمِهِ لَهَا تَقْصِيرٌ أَيْضًا بِهِ، وَهَضْمٌ لِمَعْنَاهُ، فَمَا الَّذِي جَعَلَ النَّرْدَ الْخَالِيَ عَنْ الْعِوَضِ مِنْ الْمَيْسِرِ وَأَخْرَجَ الشِّطْرَنْجَ عَنْهُ، مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَظْهَرْ أَنْوَاعِ الْمَيْسِرِ كَمَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ إنَّهُ مَيْسِرٌ؟ وَقَالَ عَلِيٌّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ -: هُوَ مَيْسِرُ الْعَجَمِ.
وَأَمَّا تَحْمِيلُ اللَّفْظِ فَوْقَ مَا يَحْتَمِلُهُ فَكَمَا حُمِّلَ لَفْظُ قَوْله تَعَالَى:

اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 168
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست