responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 143
وَكَذَلِكَ قَلْبُ الْمُرَائِي لَيْسَ لَهُ ثَبَاتٌ عِنْدَ وَابِلِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْقَضَاءِ وَالْقَدْرِ، فَإِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ وَابِلُ الْوَحْيِ انْكَشَفَ عَنْهُ ذَلِكَ التُّرَابِ الْيَسِيرِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، فَبَرَزَ مَا تَحْتَهُ حَجَرًا صَلْدًا لَا نَبَاتَ فِيهِ؛ وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِعَمَلِ الْمُرَائِي وَنَفَقَتِهِ، لَا يَقْدِرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى ثَوَابِ شَيْءٍ مِنْهُ أَحْوَجَ مَا كَانَ إلَيْهِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ

فَصْلٌ.
وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 116] {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [آل عمران: 117] هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِمَنْ أَنْفَقَ مَالَهُ فِي غَيْرِ طَاعَتِهِ وَمَرْضَاتِهِ، فَشَبَّهَ سُبْحَانَهُ مَا يُنْفِقُهُ هَؤُلَاءِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فِي الْمَكَارِمِ وَالْمَفَاخِرِ وَكَسْبِ الثَّنَاءِ وَحُسْنِ الذِّكْرِ لَا يَبْتَغُونَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، وَمَا يُنْفِقُونَهُ لِيَصُدُّوا بِهِ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاتِّبَاعِ رُسُلِهِ، بِالزَّرْعِ الَّذِي زَرَعَهُ صَاحِبُهُ يَرْجُو نَفْعَهُ وَخَيْرَهُ فَأَصَابَتْهُ رِيحٌ شَدِيدَةُ الْبَرْدِ جِدًّا، يُحْرِقُ بَرْدُهَا مَا يَمُرُّ عَلَيْهِ مِنْ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ، فَأَهْلَكَتْ ذَلِكَ الزَّرْعَ وَأَيْبَسَتْهُ.
وَاخْتُلِفَ فِي الصِّرِّ؛ فَقِيلَ: الْبَرْدُ الشَّدِيدُ، وَقِيلَ: النَّارُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَإِنَّمَا وُصِفَتْ النَّارُ بِأَنَّهَا صِرٌّ لِتَصْرِيَتِهَا عِنْدَ الِالْتِهَابِ، وَقِيلَ: الصِّرُّ الصَّوْتُ الَّذِي يَصْحَبُ الرِّيحَ مِنْ شِدَّةِ هُبُوبِهَا، وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ مُتَلَازِمَةٌ؛ فَهُوَ بَرْدٌ شَدِيدٌ مُحْرِقٌ بِيَبْسِهِ لِلْحَرْثِ كَمَا تُحْرِقُهُ النَّارُ، وَفِيهِ صَوْتٌ شَدِيدٌ.
وَفِي قَوْلِهِ: {أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [آل عمران: 117] تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ سَبَبَ إصَابَتِهَا لِحَرْثِهِمْ هُوَ ظُلْمُهُمْ؛ فَهُوَ الَّذِي سَلَّطَ عَلَيْهِمْ الرِّيحَ الْمَذْكُورَةَ حَتَّى أَهْلَكَتْ زَرْعَهُمْ وَأَيْبَسَتْهُ، فَظُلْمُهُمْ هُوَ الرِّيحُ الَّتِي أَهْلَكَتْ أَعْمَالَهُمْ وَنَفَقَاتِهِمْ وَأَتْلَفَتْهَا.

فَصْلٌ.
وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 29] هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِلْمُشْرِكِ وَالْمُوَحِّدِ؛ فَالْمُشْرِكُ بِمَنْزِلَةِ عَبْدٍ يَمْلِكُهُ جَمَاعَةٌ مُتَنَازِعُونَ مُخْتَلِفُونَ مُتَشَاحُّونَ، وَالرَّجُلُ الْمُتَشَاكِسُ: الضَّيِّقُ الْخُلُقِ، فَالْمُشْرِكُ، لَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آلِهَةً شَتَّى شُبِّهَ بِعَبْدٍ يَمْلِكُهُ جَمَاعَةٌ مُتَنَافِسُونَ فِي خِدْمَتِهِ، لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبْلُغَ رِضَاهُمْ أَجْمَعِينَ، وَالْمُوَحِّدُ لَمَّا كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ عَبْدٍ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، قَدْ سَلَمَ لَهُ، وَعَلِمَ مَقَاصِدَهُ، وَعَرَفَ

اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 143
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست