responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 124
هَذَانِ مَثَلَانِ مُتَضَمِّنَانِ قِيَاسَيْنِ مِنْ قِيَاسِ الْعَكْسِ، وَهُوَ نَفْيُ الْحُكْمِ لِنَفْيِ عِلَّتِهِ وَمُوجِبِهِ، فَإِنْ الْقِيَاسَ نَوْعَانِ: قِيَاسُ طَرْدٍ يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ لِثُبُوتِ عِلَّةِ الْأَصْلِ فِيهِ؛ وَقِيَاسُ عَكْسٍ يَقْتَضِي نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْفَرْعِ لِنَفْيِ عِلَّةِ الْحُكْمِ فِيهِ؛ فَالْمَثَلُ الْأَوَّلُ مَا ضَرَبَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِنَفْسِهِ وَلِلْأَوْثَانِ، فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمَالِكُ لِكُلِّ شَيْءٍ يُنْفِقُ كَيْف يَشَاءُ عَلَى عَبِيدِهِ سِرًّا وَجَهْرًا وَلَيْلًا وَنَهَارًا يَمِينُهُ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةُ سَحَّاءَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَالْأَوْثَانُ مَمْلُوكَةٌ عَاجِزَةٌ لَا تَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، فَكَيْف يَجْعَلُونَهَا شُرَكَاءَ لِي وَيَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِي مَعَ هَذَا التَّفَاوُتِ الْعَظِيمِ وَالْفَرْقِ الْمُبِينِ؟
هَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ؛ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ فِي الْخَيْرِ الَّذِي عِنْدَهُ ثُمَّ رَزَقَهُ مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ سِرًّا وَجَهْرًا، وَالْكَافِرُ بِمَنْزِلَةِ عَبْدٍ مَمْلُوكٍ عَاجِزٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ لِأَنَّهُ لَا خَيْرَ عِنْدَهُ، فَهَلْ يَسْتَوِي الرَّجُلَانِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْعُقَلَاءِ؟ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَشْبَهَ بِالْمُرَادِ، فَإِنَّهُ أَظْهَرُ فِي بُطْلَانِ الشِّرْكِ، وَأَوْضَحُ عِنْدَ الْمُخَاطَبِ، وَأَعْظَمُ فِي إقَامَةِ الْحُجَّةِ، وَأَقْرَبُ نَسَبًا بِقَوْلِهِ: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلا يَسْتَطِيعُونَ} [النحل: 73] {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 74] ثُمَّ قَالَ: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] وَمِنْ لَوَازِمِ هَذَا الْمِثْلِ وَأَحْكَامِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ الْمُوَحِّدُ كَمِنْ رَزَقَهُ مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا، وَالْكَافِرُ الْمُشْرِكُ كَالْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، فَهَذَا مِمَّا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمِثْلُ وَأَرْشِدْ إلَيْهِ، فَذَكَره ابْنُ عَبَّاسٍ مُنَبِّهًا عَلَى إرَادَتِهِ لَا أَنَّ الْآيَةَ اخْتَصَّتْ بِهِ، فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّك تَجِدْهُ كَثِيرًا فِي كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ فِي فَهْمِ الْقُرْآنِ، فَيُظَنُّ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَعْنَى الْآيَةِ الَّتِي لَا مَعْنَى لَهَا غَيْرُهُ فَيَحْكِيه قَوْلُهُ.
فَصْلٌ.
وَأَمَّا الْمَثَلُ الثَّانِي فَهُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِنَفْسِهِ وَلِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ أَيْضًا فَالصَّنَمُ الَّذِي يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَبْكَمَ لَا يَعْقِلُ وَلَا يَنْطِقُ، بَلْ هُوَ أَبْكَمُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، قَدْ عَدِمَ النُّطْقَ الْقَلْبِيَّ وَاللِّسَانِيَّ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ عَاجِزٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ أَلْبَتَّةَ، وَمَعَ هَذَا فَأَيْنَمَا أَرَسْلَتَهُ لَا يَأْتِيَك بِخَيْرٍ، وَلَا يَقْضِي لَك حَاجَةً، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ حَيٌّ قَادِرٌ مُتَكَلِّمٌ، يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ، وَهُوَ صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ، وَهَذَا وَصْفٌ لَهُ بِغَايَةِ الْكَمَالِ وَالْحَمْدِ، فَإِنَّ أَمْرَهُ بِالْعَدْلِ - وَهُوَ الْحَقُّ - يَتَضَمَّنُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ عَالَمٌ بِهِ، مُعَلِّمٌ لَهُ، رَاضٍ بِهِ، آمِرٌ لِعِبَادِهِ بِهِ، مُحِبٌّ لِأَهْلِهِ، لَا

اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 124
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست