responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 116
وَمِنْ هَذَا قِيَاسُ الْمُشْرِكِينَ الرِّبَا عَلَى الْبَيْعِ بِمُجَرَّدِ الشَّبَهِ الصُّورِيِّ، وَمِنْهُ قِيَاسُهُمْ الْمَيْتَةَ عَلَى الْمُذَكَّى فِي إبَاحَةِ الْأَكْلِ بِمُجَرَّدِ الشَّبَهِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَلَمْ يَجِئْ هَذَا الْقِيَاسُ فِي الْقُرْآنِ إلَّا مَرْدُودًا مَذْمُومًا، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأعراف: 194] {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف: 195] فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ هَذِهِ الْأَصْنَامَ أَشْبَاحٌ وَصُوَرٌ خَالِيَةٌ عَنْ صِفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ، وَأَنَّ الْمَعْنَى الْمُعْتَبَرَ مَعْدُومٌ فِيهَا، وَأَنَّهَا لَوْ دُعِيَتْ لَمْ تُجِبْ؛ فَهِيَ صُوَرٌ خَالِيَةٌ عَنْ أَوْصَافٍ وَمَعَانٍ تَقْتَضِي عِبَادَتَهَا، وَزَادَ هَذَا تَقْرِيرًا بِقَوْلِهِ: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف: 195] أَيْ أَنَّ جَمِيعَ مَا لِهَذِهِ الْأَصْنَامِ مِنْ الْأَعْضَاءِ الَّتِي نَحَتَتْهَا أَيْدِيكُمْ إنَّمَا هِيَ صُوَرٌ عَاطِلَةٌ عَنْ حَقَائِقِهَا وَصِفَاتِهَا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُرَادَ الْمُخْتَصَّ بِالرِّجْلِ هُوَ مَشْيُهَا، وَهُوَ مَعْدُومٌ فِي هَذِهِ الرِّجْلِ؛ وَالْمَعْنَى الْمُخْتَصُّ بِالْيَدِ هُوَ بَطْشُهَا وَهُوَ مَعْدُومٌ فِي هَذِهِ الْيَدِ؛ وَالْمُرَادُ بِالْعَيْنِ إبْصَارُهَا وَهُوَ مَعْدُومٌ فِي هَذِهِ الْعَيْنِ؛ وَمِنْ الْأُذُنِ سَمْعُهَا وَهُوَ مَعْدُومٌ فِيهَا، وَالصُّوَرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ثَابِتَةٌ مَوْجُودَةٌ، وَكُلُّهَا فَارِغَةٌ خَالِيَةٌ عَنْ الْأَوْصَافِ وَالْمَعَانِي، فَاسْتَوَى وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا، وَهَذَا كُلُّهُ مُدْحِضٌ لِقِيَاسِ الشَّبَهِ الْخَالِي عَنْ الْعِلَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ وَالْوَصْفِ الْمُقْتَضِي لِلْحُكْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ.
[ضَرْبُ الْأَمْثَالِ فِي الْقُرْآنِ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ]
وَمِنْ هَذَا مَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ الْأَمْثَالِ الَّتِي لَا يَعْقِلُهَا إلَّا الْعَالِمُونَ؛ فَإِنَّهَا تَشْبِيهُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ فِي حُكْمِهِ، وَتَقْرِيبُ الْمَعْقُولِ مِنْ الْمَحْسُوسِ، أَوْ أَحَدُ الْمَحْسُوسَيْنِ مِنْ الْآخَرِ، وَاعْتِبَارُ أَحَدِهَا بِالْآخَرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي حَقِّ الْمُنَافِقِينَ: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ} [البقرة: 17] {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ - أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقرة: 18 - 19] إلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 20] فَضَرَبَ لِلْمُنَافِقِينَ بِحَسْبِ حَالِهِمْ مَثَلَيْنِ: مَثَلًا نَارِيًّا، وَمَثَلًا مَائِيًّا، لِمَا فِي النَّارِ وَالْمَاءِ مِنْ الْإِضَاءَةِ وَالْإِشْرَاقِ وَالْحَيَاةِ؛ فَإِنَّ النَّارَ مَادَّةُ النُّورِ، وَالْمَاءَ مَادَّةُ الْحَيَاةِ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْوَحْيَ الَّذِي أَنْزَلَهُ مِنْ السَّمَاءِ مُتَضَمِّنًا لِحَيَاةِ الْقُلُوبِ وَاسْتِنَارَتِهَا، وَلِهَذَا سَمَّاهُ رُوحًا وَنُورًا، وَجَعَلَ قَابِلِيهِ أَحْيَاءَ فِي النُّورِ، وَمَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِهِ رَأْسًا أَمْوَاتًا فِي الظُّلُمَاتِ، وَأَخْبَرَ عَنْ حَالِ

اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 116
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست