responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 112
فَلْيَتَأَمَّلْ اللَّبِيبُ لُطْفَ مَوْقِعِ هَذَا الدَّلِيلِ، وَاسْتِلْزَامَهُ لِمَدْلُولِهِ اسْتِلْزَامًا لَا مَحِيدَ عَنْهُ، وَمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ السُّؤَالَاتِ وَالْجَوَابِ عَنْهَا أَبْلَغَ جَوَابٍ وَأَصَحَّهُ وَأَوْضَحَهُ، فَلِلَّهِ مَا يَفُوتُ الْمُعْرِضِينَ عَنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ الْمُتَعَوَّضِينَ عَنْهُ بِزُبَالَةِ الْأَذْهَانِ وَنُخَالَةِ الْأَفْكَارِ.
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج: 5] {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحج: 6] {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج: 7] وقَوْله تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت: 39] جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إحْيَاءَ الْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا نَظِيرَ إحْيَاءِ الْأَمْوَاتِ، وَإِخْرَاجَ النَّبَاتِ مِنْهَا نَظِيرَ إخْرَاجِهِمْ مِنْ الْقُبُورِ، وَدَلَّ بِالنَّظِيرِ عَلَى نَظِيرِهِ، وَجَعَلَ ذَلِكَ آيَةً وَدَلِيلًا عَلَى خَمْسَةِ مَطَالِبَ:
أَحَدُهَا: وُجُودُ الصَّانِعِ، وَأَنَّهُ الْحَقُّ الْمُبِينُ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ إثْبَاتَ صِفَاتِ كَمَالِهِ وَقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَحَيَاتِهِ وَعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَأَفْعَالِهِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى.
الثَّالِثُ: عُمُومُ قُدْرَتِهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.
الرَّابِعُ: إتْيَانُ السَّاعَةِ وَأَنَّهَا لَا رَيْبَ فِيهَا.
الْخَامِسُ: أَنَّهُ يُخْرِجُ الْمَوْتَى مِنْ الْقُبُورِ كَمَا أَخْرَجَ النَّبَاتَ مِنْ الْأَرْضِ.
وَقَدْ كَرَّرَ سُبْحَانَهُ ذِكْرَ هَذَا الدَّلِيلِ فِي كِتَابِهِ مِرَارًا؛ لِصِحَّةِ مُقَدَّمَاتِهِ، وَوُضُوحِ دَلَالَتِهِ، وَقُرْبِ تَنَاوُلِهِ، وَبُعْدِهِ مِنْ كُلِّ مُعَارِضَةٍ وَشُبْهَةٍ، وَجَعْلِهِ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق: 7] {تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [ق: 8] فَالْمُنِيبُ إلَى رَبِّهِ يَتَذَكَّرُ بِذَلِكَ، فَإِذَا تَذَكَّرَ تَبَصَّرَ بِهِ، فَالتَّذَكُّرُ قَبْلَ التَّبَصُّرِ، وَإِنْ قُدِّمَ عَلَيْهِ فِي اللَّفْظِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201] ، وَالتَّذَكُّرُ: تَفَعُّلٌ مِنْ الذِّكْرِ، وَهُوَ حُضُورُ صُورَةٍ مِنْ الْمَذْكُورِ فِي الْقَلْبِ، فَإِذَا اسْتَحْضَرَهُ الْقَلْبُ وَشَاهَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ أَوْجَبَ لَهُ الْبَصِيرَةَ، فَأَبْصَرَ مَا جُعِلَ دَلِيلًا عَلَيْهِ، فَكَانَ فِي حَقِّهِ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى، وَالْهُدَى مَدَارُهُ عَلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ: التَّذَكُّرُ، وَالتَّبَصُّرُ وَقَدْ دَعَا سُبْحَانَهُ الْإِنْسَانَ إلَى أَنْ يَنْظُرَ فِي مَبْدَأِ خَلْقِهِ وَرِزْقِهِ، وَيَسْتَدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى مَعَادِهِ وَصِدْقِ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ؛ فَقَالَ فِي الْأَوَّلِ: {فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق: 5] {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6] {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: 7] {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} [الطارق: 8] {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق: 9] فَالدَّافِقُ عَلَى بَابِهِ، لَيْسَ فَاعِلًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَمَا يَظُنُّهُ بَعْضُهُمْ، بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَاءٍ جَارٍ وَوَاقِفٍ وَسَاكِنٍ.
وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصُّلْبِ صُلْبُ الرَّجُلِ، وَاخْتُلِفَ فِي

اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 112
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست