responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 107
حَضَّهُمْ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاعْتِبَارِ بِمَنْ قَبْلَهُمْ فَقَالَ: {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [التوبة: 70] .
فَتَأَمَّلْ صِحَّةَ هَذَا الْقِيَاسِ وَإِفَادَتَهُ لِمَنْ عُلِّقَ عَلَيْهِ مِنْ الْحُكْمِ، وَأَنَّ الْأَصْلَ وَالْفَرْعَ قَدْ تَسَاوَيَا فِي الْمَعْنَى الَّذِي عُلِّقَ بِهِ الْعِقَابُ، وَأَكَّدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ بِضَرْبٍ مِنْ الْأَوْلَى، وَهُوَ شِدَّةُ الْقُوَّةِ وَكَثْرَةُ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، فَإِذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ عَلَى اللَّهِ عِقَابُ الْأَقْوَى مِنْهُمْ بِذَنْبِهِ فَكَيْفَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ عِقَابُ مَنْ هُوَ دُونَهُ؟ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} [الأنعام: 133] فَهَذَا قِيَاسٌ جَلِيٌّ، يَقُولُ سُبْحَانَهُ: إنْ شِئْت أَذْهَبْتُكُمْ وَاسْتَخْلَفْت غَيْرَكُمْ كَمَا أَذْهَبْت مَنْ قَبْلَكُمْ وَاسْتَخْلَفَتْكُمْ فَذِكْرُ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ الْأَرْبَعَةِ: عِلَّةُ الْحُكْمِ، وَهِيَ عُمُومُ مَشِيئَتِهِ وَكَمَالِهَا، وَالْحُكْمُ، وَهُوَ إذْهَابُهُ بِهِمْ وَإِتْيَانُهُ بِغَيْرِهِمْ، وَالْأَصْلُ، وَهُوَ مَنْ كَانَ مِنْ قَبْلُ، وَالْفَرْعُ، وَهُمْ الْمُخَاطَبُونَ.
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} [يونس: 39] فَأَخْبَرَ أَنَّ مِنْ قَبْلُ الْمُكَذِّبِينَ أَصْلٌ يُعْتَبَرُ بِهِ، وَالْفَرْعُ نُفُوسُهُمْ، فَإِذَا سَاوَوْهُمْ فِي الْمَعْنَى سَاوَوْهُمْ فِي الْعَاقِبَةِ.
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا} [المزمل: 15] {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلا} [المزمل: 16] فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ أَرْسَلَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْنَا كَمَا أَرْسَلَ مُوسَى إلَى فِرْعَوْنَ، وَأَنَّ فِرْعَوْنَ عَصَى رَسُولَهُ فَأَخَذَهُ أَخْذًا وَبِيلًا، فَهَكَذَا مَنْ عَصَى مِنْكُمْ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ جِدًّا فَقَدْ فُتِحَ لَك بَابُهُ

[فَصْلٌ قِيَاسُ الدَّلَالَةِ]
وَأَمَّا قِيَاسُ الدَّلَالَةِ فَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِدَلِيلِ الْعِلَّةِ وَمَلْزُومِهَا؛ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت: 39] فَدَلَّ سُبْحَانَهُ عِبَادَهُ بِمَا أَرَاهُمْ مِنْ الْإِحْيَاءِ الَّذِي تَحَقَّقُوهُ وَشَاهَدُوهُ عَلَى الْإِحْيَاءِ الَّذِي اسْتَبْعَدُوهُ، وَذَلِكَ قِيَاسُ إحْيَاءٍ عَلَى إحْيَاءٍ، وَاعْتِبَارُ الشَّيْءِ بِنَظِيرِهِ؛ وَالْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ هِيَ عُمُومُ قُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ، وَكَمَالُ حِكْمَتِهِ؛ وَإِحْيَاءُ الْأَرْضِ دَلِيلُ الْعِلَّةِ

اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 107
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست