responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 104
[أَنْوَاعُ الْقِيَاسِ]
وَالْأَقْيِسَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي الِاسْتِدْلَالِ ثَلَاثَةٌ: قِيَاسُ عِلَّةٍ، وَقِيَاسُ دَلَالَةٍ، وَقِيَاسُ شَبَهٍ، وَقَدْ وَرَدَتْ كُلُّهَا فِي الْقُرْآنِ.
[قِيَاسُ الْعِلَّةِ]
فَأَمَّا قِيَاسُ الْعِلَّةِ فَقَدْ جَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَوَاضِعَ، مِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 59] فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ عِيسَى نَظِيرُ آدَمَ فِي التَّكْوِينِ بِجَامِعِ مَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ وُجُودُ سَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَهُوَ مَجِيئُهَا طَوْعًا لِمَشِيئَتِهِ وَتَكْوِينِهِ، فَكَيْفَ يُسْتَنْكَرُ وُجُودُ عِيسَى مِنْ غَيْرِ أَبٍ مَنْ يُقِرُّ بِوُجُودِ آدَمَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلَا أُمٍّ؟ وَوُجُودِ حَوَّاءَ مِنْ غَيْرِ أُمٍّ؟ فَآدَمُ وَعِيسَى نَظِيرَانِ يَجْمَعُهُمَا الْمَعْنَى الَّذِي يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِيجَادِ وَالْخَلْقِ بِهِ، وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [آل عمران: 137] أَيْ: قَدْ كَانَ مِنْ قَبْلِكُمْ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ فَانْظُرُوا إلَى عَوَاقِبِهِمْ السَّيِّئَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَهُمْ الْأَصْلُ وَأَنْتُمْ الْفَرْعُ، وَالْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ التَّكْذِيبُ، وَالْحُكْمُ الْهَلَاكُ.
وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} [الأنعام: 6] فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ إهْلَاكَ مَنْ قَبْلَنَا مِنْ الْقُرُونِ، وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِمَعْنَى الْقِيَاسِ، وَهُوَ ذُنُوبُهُمْ، فَهُمْ الْأَصْلُ وَنَحْنُ الْفَرْعُ، وَالذُّنُوبُ الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ، وَالْحُكْمُ الْهَلَاكُ؛ فَهَذَا مَحْضُ قِيَاسِ الْعِلَّةِ، وَقَدْ أَكَّدَهُ سُبْحَانَهُ بِضَرْبٍ مِنْ الْأَوْلَى، وَهُوَ أَنَّ مَنْ قَبْلَنَا كَانُوا أَقْوَى مِنَّا فَلَمْ تَدْفَعْ عَنْهُمْ قُوَّتُهُمْ وَشِدَّتُهُمْ مَا حَلَّ بِهِمْ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالا وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [التوبة: 69] .
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَحَلِّ هَذَا الْكَافِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، فَقِيلَ: هُوَ رَفْعٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ أَنْتُمْ كَاَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، وَقِيلَ: نَصْبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ فَعَلْتُمْ كَفِعْلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، وَالتَّشْبِيهُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فِي أَعْمَالِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ، وَقِيلَ: إنَّ التَّشْبِيهَ فِي

اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 104
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست