responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام أهل الذمة المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 240
وَيَقُولُونَ: الْهَيَاكِلُ آبَاءٌ، وَالْعَنَاصِرُ أُمَّهَاتٌ، فَتَفْعَلُ الرُّوحَانِيَّاتُ تَحْرِيكَهَا عَلَى قَدْرٍ مَخْصُوصٍ لِيَحْصُلَ مِنْ حَرَكَتِهَا انْفِعَالَاتٌ فِي الطَّبَائِعِ وَالْعَنَاصِرِ، فَيَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ تَرْكِيبَاتٌ وَامْتِزَاجَاتٌ فِي الْمُرَكَّبَاتِ، تُرَكَّبُ عَلَيْهَا نُفُوسٌ رُوحَانِيَّةٌ مِثْلُ أَنْوَاعِ النَّبَاتِ وَأَنْوَاعِ الْحَيَوَانَاتِ، ثُمَّ قَدْ تَكُونُ التَّأْثِيرَاتُ كُلِّيَّةً صَادِرَةً عَنْ رُوحَانِيٍّ كُلِّيٍّ، وَقَدْ تَكُونُ جُزْئِيَّةً صَادِرَةً عَنْ رُوحَانِيٍّ جُزْئِيٍّ وَمِنْهَا مُدَبِّرَاتُ الْآثَارِ الْعُلْوِيَّةِ الظَّاهِرَةِ فِي الْجَوِّ كَالْمَطَرِ وَالثُّلُوجِ وَالْبَرَدِ وَالرِّيَاحِ وَالصَّوَاعِقِ وَالشُّهُبِ وَالرَّعْدِ وَالْبَرْقِ وَالسَّحَابِ، وَالْآثَارِ السُّفْلِيَّةِ كَالزَّلَازِلِ وَالْمِيَاهِ وَغَيْرِهَا.
قَالُوا: وَمُدَبِّرَاتٌ هَادِيَةٌ سَارِيَةٌ فِي جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ حَتَّى لَا يُرَى بِوُجُودِهَا خَالٍ عَنْ قُوَّةٍ وَهِدَايَةٍ بِحَسَبِ قَبُولِهِ وَاسْتِعْدَادِهِ.
وَأَمَّا أَحْوَالُ الرُّوحَانِيَّاتِ مِنَ الرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ وَالنِّعْمَةِ وَاللَّذَّةِ وَالرَّاحَةِ وَالْبَهْجَةِ وَالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ فِي جِوَارِ رَبِّ الْأَرْبَابِ فَمِمَّا لَا يَخْطُرُ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، طَعَامُهُمْ وَشَرَابُهُمُ التَّسْبِيحُ وَالتَّقْدِيسُ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّمْجِيدُ، وَأُنْسُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَطَاعَتِهِ، فَهُمْ بَيْنَ قَائِمٍ وَرَاكِعٍ وَسَاجِدٍ وَقَاعِدٍ لَا يُرِيدُ تَبْدِيلَ حَالَتِهِ الَّتِي هُوَ فِيهَا بِغَيْرِهَا، إِذْ لَذَّتُهُ وَبَهْجَتُهُ وَسُرُورُهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ.
قَالُوا: وَالرُّوحَانِيَّاتُ مَبَادِئُ الْمَوْجُودَاتِ وَمَوَادُّ الْأَرْوَاحِ، وَالْمَبَادِئُ أَشْرَفُ ذَاتًا وَأَسْبَقُ وُجُودًا وَأَعْلَى رُتْبَةً مِنْ سَائِرِ الْمَوْجُودَاتِ الَّتِي حَصَلَتْ بِتَوَسُّطِهَا، فَعَالَمُهَا عَالَمُ الْكَمَالِ، وَالْمَبْدَأُ مِنْهَا وَالْمَعَادُ إِلَيْهَا وَالْمَصْدَرُ عَنْهَا وَالْمَرْجِعُ إِلَيْهَا وَالْأَرْوَاحُ لَهَا نَزَلَتْ مِنْ عَالَمِهَا حَتَّى اتَّصَلَتْ بِالْأَبْدَانِ وَتَوَسَّخَتْ بِأَوْضَارِ الْأَجْسَامِ ثُمَّ تَطَهَّرَتْ عَنْهَا بِالْأَخْلَاقِ الزَّكِيَّةِ وَالْأَعْمَالِ الْمَرَضِيَّةِ حَتَّى انْفَصَلَتْ عَنْهَا فَصَعِدَتْ إِلَى عَالَمِهَا الْأَوَّلِ، فَالنُّزُولُ هُوَ النَّشْأَةُ

اسم الکتاب : أحكام أهل الذمة المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 240
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست