responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مختصر منهاج السنة المؤلف : الغنيمان، عبد الله بن محمد    الجزء : 1  صفحة : 457
هيهات! قد أبنتك ثَلَاثًا، لَا رَجْعَةَ فِيكِ، عُمْرُكِ قَصِيرٌ، وَخَطَرُكِ كَثِيرٌ، وَعَيْشُكِ حَقِيرٌ.
آهٍ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ وَبُعْدِ السَّفَرِ وَوَحْشَةِ الطَّرِيقِ! فَبَكَى مُعَاوِيَةُ، وَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا الْحَسَنِ كَانَ وَاللَّهِ كَذَلِكَ، فَمَا حُزْنُكَ عَلَيْهِ يَا ضِرَارُ؟ قَالَ: حُزْنُ مَنْ ذُبح وَلَدُهَا فِي حِجْرِهَا، فَلَا تَرْقَأُ عَبْرَتُهَا، وَلَا يَسْكُنُ حُزْنُهَا)) .
وَالْجَوَابُ: أَمَّا زُهْدُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمَالِ فَلَا رَيْبَ فِيهِ، لَكِنَّ الشَّأْنَ أَنَّهُ كَانَ أَزْهَدَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ ما يدل على ذَلِكَ، بَلْ مَا كَانَ فِيهِ حَقًّا فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ، وَالْبَاقِي: إِمَّا كَذِبٌ، وَإِمَّا مَا لَا مَدْحَ فِيهِ.
أَمَّا كَوْنُهُ طلٌّق الدُّنْيَا ثَلَاثًا: فَمِنَ الْمَشْهُورِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ((يَا صَفْرَاءُ، يَا بَيْضَاءُ، قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلَاثًا، غُرِّي غَيْرِي، لَا رَجْعَةَ لِي فِيكِ)) لَكِنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَزْهَدُ ممن لم يقل هذا؛ فإن نبينا عيسى ابْنَ مَرْيَمَ وَغَيْرَهُمَا كَانُوا أَزْهَدَ مِنْهُ، وَلَمْ يَقُولُوا هَذَا. وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا زَهِدَ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ: قَدْ زَهِدْتُ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ قَالَ: زَهِدْتُ، يَكُونُ قَدْ زَهِدَ، فَلَا عَدَمُ هَذَا الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الزُّهْدِ، وَلَا وُجُودُهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهِ، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّهُ كَانَ دَائِمًا يَقْتَاتُ جَرِيشَ الشَّعِيرِ بِلَا أُدم.
فَلَا دَلَالَةَ فِي هَذَا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنَّهُ كَذِبٌ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا مَدْحَ فِيهِ. فَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - إمام الزهّاد كَانَ لَا يَرُدُّ مَوْجُودًا، وَلَا يَتَكَلَّفُ مَفْقُودًا، بَلْ إِنْ حَضَرَ لَحْمُ دَجَاجٍ أَكَلَهُ، أَوْ لَحْمُ غَنَمٍ أَكَلَهُ، أَوْ حَلْوَاءُ أَوْ عَسَلٌ أَوْ فَاكِهَةٌ أَكَلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا لَمْ يَتَكَلَّفْهُ، وَكَانَ إِذَا حَضَرَ طَعَامًا: فَإِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا
تَرَكَهُ، وَلَا يَتَكَلَّفُ مَا لا يحضر، وَرُبَّمَا رَبَطَ عَلَى بَطْنِهِ الْحَجَرَ مِنَ الْجُوعِ، وَقَدْ كَانَ يُقِيمُ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ لَا يُوقد في بيته نارٌ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((كَانَ حَمَائِلُ سَيْفِهِ لِيفًا، وَنَعْلُهُ لِيفًا)) .
فَهَذَا أَيْضًا كَذِبٌ وَلَا مَدْحَ فِيهِ؛ فَقَدْ رُوى أَنَّ نَعْلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مِنَ الْجُلُودِ، وَحَمَائِلَ سَيْفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ ذَهَبًا وَفِضَّةً. وَاللَّهَ قَدْ يسَّر الرِّزْقَ عَلَيْهِمْ، فَأَيُّ مَدْحٍ فِي أَنْ يَعْدِلُوا عَنِ الْجُلُودِ مع تيسيرها؟ وإنما يمدح هذا عند العدم.

اسم الکتاب : مختصر منهاج السنة المؤلف : الغنيمان، عبد الله بن محمد    الجزء : 1  صفحة : 457
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست