responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مختصر منهاج السنة المؤلف : الغنيمان، عبد الله بن محمد    الجزء : 1  صفحة : 337
وَالْأَيْدِي، وَيُوجَدُ مِنَ الِاقْتِتَالِ وَالِاخْتِلَافِ وَظُلْمِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، مَا لَا يُوجَدُ فِيمَنْ لَهُمْ متولٍّ كَافِرٍ، فَضْلًا عَنْ متولٍّ مُسْلِمٍ، فَأَيُّ لُطْفٍ حصل لمتبعيه به؟
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ اللُّطْفَ بِهِ يَحْصُلُ لِلْعَارِفِينَ بِهِ، كَمَا يَحْصُلُ فِي حَالِ الظُّهُورِ، فَهَذِهِ مُكَابَرَةٌ ظَاهِرَةٌ؛ فَإِنَّهُ إِذَا ظَهَرَ حَصَلَ بِهِ مِنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْوَعْظِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ لطفٌ لَا يحصل مع عدم الظهور.
وَتَشْبِيهُهُمْ مَعْرِفَتَهُ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ فِي بَابِ اللُّطْفِ، وَأَنَّ اللُّطْفَ بِهِ يَحْصُلُ لِلْعَارِفِ دُونَ غَيْرِهِ، قِيَاسٌ فَاسِدٌ. فَإِنَّ الْمَعْرِفَةَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ حيّ قادر، يأمر بالطاعة ويثيب عليا، وَيَنْهَى عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَيُعَاقِبُ عَلَيْهَا، مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ فِي الرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ مِنْهُ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْمَعْرِفَةُ دَاعِيَةً إِلَى الرَّغْبَةِ فِي ثَوَابِهِ، بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ وَتَرْكِ الْمَحْظُورِ، وَالرَّهْبَةِ مِنْ عِقَابِهِ إِذَا عَصَى، لِعِلْمِ الْعَبْدِ بِأَنَّهُ عَالِمٌ قَادِرٌ، وَأَنَّهُ قَدْ جَرَتْ سُنَّتُهُ بِإِثَابَةِ الْمُطِيعِينَ وَعُقُوبَةِ الْعَاصِينَ.
وَأَمَّا شَخْصٌ يَعْرِفُ النَّاسُ أَنَّهُ مَفْقُودٌ مِنْ أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يُعَاقِبْ أَحَدًا، وَأَنَّهُ لَمْ يُثِبْ أَحَدًا، بَلْ هُوَ خَائِفٌ عَلَى نَفْسِهِ إِذَا ظَهَرَ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَأْمُرَ وَيَنْهَى، فَكَيْفَ تَكُونُ الْمَعْرِفَةُ بِهِ دَاعِيَةٌ إِلَى فِعْلِ مَا أَمَرَ وَتَرْكِ مَا حَظَرَ، بَلِ الْمَعْرِفَةُ بِعَجْزِهِ وَخَوْفِهِ تُوجِبُ الْإِقْدَامَ عَلَى فِعْلِ الْقَبَائِحِ، لَا سِيَّمَا مَعَ طُولِ الزَّمَانِ وَتَوَالِي الْأَوْقَاتِ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ، وَهُوَ لَمْ يُعَاقِبْ أَحَدًا وَلَمْ يُثِبْ أَحَدًا.
بَلْ لَوْ قُدِّر أَنَّهُ يَظْهَرُ فِي كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَرَّةً فَيُعَاقِبُ، لَمْ يَكُنْ مَا يَحْصُلُ بِهِ مِنَ اللُّطْفِ مِثْلَ مَا يَحْصُلُ بِآحَادِ ولاة الأمر، بل لو قِيلَ: إِنَّهُ يَظْهَرُ فِي كُلِّ عَشْرِ سِنِينَ، بَلْ وَلَوْ ظَهَرَ فِي السَّنَةِ مَرَّةً، فَإِنَّهُ لَا تَكُونُ مَنْفَعَتُهُ كَمَنْفَعَةِ وُلَاةِ الْأُمُورِ الظَّاهِرِينَ لِلنَّاسِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، بَلْ هَؤُلَاءِ - مَعَ ذُنُوبِهِمْ وَظُلْمِهِمْ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ - شَرْعُ اللَّهِ بِهِمْ، وَمَا يَفْعَلُونَهُ مِنَ الْعُقُوبَاتِ، وَمَا يَبْذُلُونَهُ مِنَ الرَّغَبَاتِ فِي الطَّاعَاتِ، أَضْعَافُ مَا يُقَامُ بِمَنْ يَظْهَرُ بَعْدَ كُلِّ مُدَّةٍ، فَضْلًا عمَّن هُوَ مَفْقُودٌ، يَعْلَمُ جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ أَنَّهُ لَا وُجُودَ لَهُ، وَالْمُقِرُّونَ بِهِ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ عَاجِزٌ خَائِفٌ لَمْ يَفْعَلْ قَطُّ مَا يَفْعَلُهُ آحَادُ النَّاسِ، فَضْلًا عَنْ وُلَاةِ أَمْرِهِمْ.
وَأَيُّ هَيْبَةٍ لِهَذَا؟ وَأَيُّ طَاعَةٍ، وَأَيُّ تَصَرُّفٍ، وَأَيُّ يَدٍ مُنْبَسِطَةٍ؟ حَتَّى إِذَا كَانَ لِلنَّاسِ رَئِيسٌ مَهِيبٌ مُطَاعٌ مُتَصَرِّفٌ مُنْبَسِطُ الْيَدِ، كَانُوا أَقْرَبَ إِلَى الصلاح بوجوده.

اسم الکتاب : مختصر منهاج السنة المؤلف : الغنيمان، عبد الله بن محمد    الجزء : 1  صفحة : 337
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست