اسم الکتاب : فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه المؤلف : ابن تيمية الجزء : 13 صفحة : 1236
فكان أحق بالتقديم من سائر الأقارب، فلما أُمر أبو بكر عليه بعد قوله: ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى)) علمنا أنه لا دلالة في ذلك على أنه بمنزلة هارون من كل وجه؛ إذ لو كان كذلك لم يُقدَّم عليه أبو بكر لا في الحج ولا في الصلاة كما أن هارون لم يكن موسى يقدِّم عليه غيره، وإنما شبهه به في الاستخلاف خاصّة، وهذا أمر مشترك بينه وبين غيره.
وقد شبّه النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح أبا بكر بإبراهيم وعيسى، وشبّه عمر بنوح وموسى [93] ، لما أشارا عليه في أسارى بدرٍ: هذا بالفدى وهذا بالقتل. وهذا أعظم من تشبيه علي بهارون، ولم يوجب ذلك أن يكونا بمنزلة أولئك الرسل مطلقا، ولكن تشابها بالرسل: هذا في [لينه في الله وهذا] [94] [4/أ] في شدته في الله، وتشبيه الشيء بالشيء لمشابهته به من بعض الوجوه كثير في الكتاب والسنة وكلام العرب.
وأما قوله: ((من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه كيفما دار)) [95] .
فهذا الحديث ليس في شيء من الأمهات إلا في الترمذي [96] وليس فيه إلا: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) [97] وأما الزيادة فليست في الحديث، وقد سئل عنها الإمام أحمد - رحمه الله - فقال: ((الزيادة كوفية)) [98] .
ولا ريب أنها كذب لوجوه:
أحدها: أن الحق لا يدور مع شخص معين بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - لا مع أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي - رضي الله عنهم -؛ لأنه لو كان كذلك كان بمنزلة النبي - صلى الله عليه وسلم - يجب اتباعه في كل ما يقوله، ومعلوم أن عليا كان ينازعه أصحابه وأتباعه في مسائل كثيرة ولا يرجعون فيها إلى قوله، بل فيها مسائل وجد فيها [93] أحمد: المسند 1/383، وفضائل الصحابة 1/181، والترمذي: السنن 4/213 رقم 1714 كتاب الجهاد، جميعهم عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود.
قال الترمذي: ((هذا حديث حسن، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه، وفي الباب عن عمر وأبي أيوب وأنس وأبي هريرة)) .
وله شاهد من حديث عمر أخرجه مسلم في صحيحه 3/1383 رقم 1763. فقول الترمذي: حسن، لعله يعني لشواهده، وإلا فقد صرح هو بانقطاعه. وليس في مسلم تشبيه أبي بكر وعمر بالأنبياء. [94] في الأصل بالهامش بخط الناسخ. والعبارة حصل فيها تقديم وتأخير في الأصل. [95] ابن تيمية: منهاج السنة 1/501، تقدم تخريجه ص 1247، حاشية 44. [96] سبق تخريجه ص! خطأ الإشارة المرجعية غير معرفة.. أما قوله: ((وأما الزيادة فليست في الحديث)) قلت: بلى إن الشطر الأخير: ((وأدر الحق معه حيثما دار)) مخرج في جامع الترمذي أيضاً 5/592 رقم 3714، ص 1231. [97] الترمذي: السنن 5/633. وقد سبق تخريجه ص 1247، حاشية 44. [98] لم أجد هذا النص.
اسم الکتاب : فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه المؤلف : ابن تيمية الجزء : 13 صفحة : 1236