اسم الکتاب : فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه المؤلف : ابن تيمية الجزء : 13 صفحة : 1231
وبقوله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر [41] : ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويُحِبُّه الله ورسوله يفتح الله على يده)) فأعطاها لعلي [42] .
وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهم والِ من والاه [43] ، وعادِ من عاداه، وأدر الحق معه كيفما دار)) [44] .
وبقوله يوم غدير خم [45] : ((أُذكركم الله في أهل بيتي)) [46] .
وبقوله تعالى: {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} الآية [آل عمران 61] ، وبقوله تعالى: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} [47] [الحج 19] وبقوله سبحانه: {هل أتى على الإنسان حينٌ من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا} [الإنسان 1] ، ويزعم أن هذه السورة نزلت في علي - رضي الله عنه - أفتونا.
الحمد لله [1/أ] رب العالمين. يجب أن نعلم أولاً أن التفضيل إنما يكون إذا ثبت للفاضل من الخصائص ما لا يوجد للمفضول، فإذا استويا في أسباب الفضل وانفرد أحدهما بخصائص لم يشركه فيها الآخر كان أفضل منه، وأمّا ما كان مشتركا بين الرجل وغيره من المحاسن فتلك مناقب وفضائل ومآثر لكن لا توجب تفضيله على غيره، وإذا كانت مشتركة فليست من خصائصه.
وإذا كانت كذلك ففضائل الصديق - رضي الله عنه - الذي ميّز بها خصائص لم يشركه فيها أحد، وأما فضائل علي - رضي الله عنه - فمشتركة بينه وبين الناس غيره.
وذلك أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا، لا تبقين في المسجد خوخة [48] إلا سدت إلا خوخة أبي بكر، إن أمنّ الناس عليَّ في صحبته لي وذات يده أبو بكر)) [49] ، أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي سعيد [50][51] ، وقصة الخلة في الصحيح من وجوه متعددة [52] . [41] خيبر: لفظ خيبر بلسان اليهود الحصن، وصار يطلق هذا الاسم على الولاية وتشتمل على سبعة حصون ومزارع ونخيل كثيرة فتحها النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة سبع من الهجرة، وتقع شمال المدينة بحوالي 164 كيلا.
انظر: معجم البلدان 2/409، مرويات غزوة خيبر ص8. [42] البخاري: الصحيح، كتاب المغازي باب غزوة خيبر /1542 رقم 3973.
وهو بلفظ المصنف غير أنه قدم قوله: ((يفتح الله على يديه)) فجعله بعد قوله ((غدا رجلا)) . [43] قوله ((اللهم وال)) تكرر في الأصل، بعد قوله: ((والاه)) . [44] قوله: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب المناقب 5/591 رقم 3713، من طريقين عن شعبة. وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال، ورجال الإسناد كلهم ثقات.
وأخرجه إلى قوله: ((وعاد من عاداه، وانصر من نصره)) الإمام النسائي في خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، بتخريج أبي إسحاق الحويني ص99، 100 رقم (95) قال المحقق: إسناده صحيح، وقد نقل عن ابن كثير في البداية والنهاية (5/210) قوله: ((وهذا إسناد جيد)) . وأخرج عبد الله ابن أحمد في زوائده على المسند (1/118) إلى قوله: ((واخذل من خذله)) .
قلت: وتمامه: ((اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله)) وفي سنده: شريك بن عبد الله النخعي، وهو سيئ الحفظ، وعمرو ذي مر وهو مجهول.
قال الحافظ ابن حجر: ((وأما حديث ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) فقد أخرجه الترمذي والنسائي، وهو كثير الطرق جدا، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان)) اهـ.
وقال الذهبي في السير (8/334، 335) : ((هذا حديث حسن ومتنه متواتر)) يعني به الشطر الأول منه فقط.
وقد حسّن الشيخ الألباني - رحمه الله - الشطرين الأولين: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)) ثم قال: ((وأما قوله في الطريق الخامسة من حديث علي رضي الله عنه: ((وانصر من نصره واخذل من خذله)) ففي ثبوته عندي وقفة لعدم ورود ما يجبر ضعفه، وكأنه رواية بالمعنى للشطر الآخر من الحديث: ((اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)) الصحيحة 4/343، 344 رقم (1750) .
قلت: وقد تقدم أن الحديث بشطر ((وانصر من نصره)) أيضاً ورد بسند صحيح رجاله كلهم ثقات، أما قوله: ((واخذل من خذله)) فلم أقف عليه بسند صحيح إلا ما أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند (1/118) وفيه: شريك بن عبد الله القاضي النخعي الكوفي، وهو صدوق يخطئ كثيرا، وفيه أيضاً عمر بن ذي مر، وقد ترجمه البخاري في الكبير (3/2/329-330) وقال: ((لا يعرف)) وكذا قال العقيلي، وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فهو مجهول، ولذا فالحديث بهذه الزيادة ضعيف.
والشطر الأخير: ((وأدر الحق معه كيفما دار)) فقد أخرجه الترمذي في جامعه (5/592) (3714) كتاب المناقب، باب مناقب علي رضي الله عنه بلفظ: ((اللهم أدر الحق معه حيث دار)) وقال: ((هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والمختار ابن نافع شيخ بصري كثير الغرائب)) .
وقال الحافظ في التقريب رقم 6525: ضعيف.
قلت: فهذا الشطر ضعيف لم يثبت من وجه يصح.
فيكون الحديث صحيحا إلى قوله: ((وانصر من نصره)) أما ما عدا ذلك وهو قوله: ((واخذل من خذله، وأدر الحق معه كيفما دار)) فلم يثبت. [45] غدير خم يعرف الآن باسم (الغُرَبَة) ، وهو غدير عليه نخل قليل لأناس من حرب، ويقع شرق الجحفة على ثمانية أكيال.
معجم معالم الحجاز 3/159. [46] مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1873 رقم 2408. [47] الآية في الأصل بالهامش بخط الناسخ. [48] الخوخة - بفتح الخاءين - باب صغير كالنافذة الكبيرة، وتكون بين بيتين ينصبُ عليها باب. النهاية 2/86. [49] البخاري: الصحيح، كتاب الصلاة، باب الخوخة والممر في المسجد 1/558 مع الفتح، رقم 466 و 467.
مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أبو بكر الصديق 4/1854 رقم 2382 بلفظ - وهو أقرب لفظ للفظ المصنف -: ((إن أمنّ الناس عليّ في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام، لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر)) .
وفي لفظ عنده من حديث عبد الله بن مسعود: ((لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا ... )) . مسلم: الصحيح رقم 2383.
وفي رواية: ((لا تبقينّ في المسجد باب إلا سُدّ إلا باب أبي بكر)) . البخاري مع الفتح 1/558، رقم 466 كتاب الصلاة باب الخوخة والممر في المسجد. [50] سعد بن مالك أبو سعيد الخدري، الأنصاري، له ولأبيه صحبه، شهد ما بعد أحد، وتوفي بالمدينة سنة ثلاث وستين، وقيل أربع وستين. التقريب ص232. [51] البخاري: الصحيح، كتاب المساجد 1/177 رقم 454. مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1854 رقم 2382. [52] من ذلك: ما رواه ابن عباس - رضي الله عنهما - في صحيح البخاري، كتاب المساجد باب الخوخة والممر في المسجد 1/178، وفي فضائل الصحابة، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لو كنت متخذا خليلا)) 3/1338، وعن عبد الله بن الزبير 3/1338 رقم 3458. ومسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1854، 1855 رقم 2382 و 2383 عن عبد الله ابن مسعود.
اسم الکتاب : فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه المؤلف : ابن تيمية الجزء : 13 صفحة : 1231