اسم الکتاب : شرح العقيدة الأصفهانية المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 206
قَبْلِكَ [1] وقال تعالى: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ [2].
وأمثال ذلك ممّا يذكر فيه شهادة الكتب المتقدمة بمثل ما أخبر به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأخبار منقولة عند أهل الكتاب بالتواتر كما نقل عندهم بالتواتر معجزات موسى وعيسى عليهما السلام وإن كان كثيرا ممّا يدعونه من أدق الأمور لم يتواتر عندهم لانقطاع التواتر فيهم فالفرق بين الجمل الكلية المشهورة التي هي أصل الشرائع التي يعلمها أهل الملل كلهم وبين الجزئيات الدقيقة التي لا يعلمها إلا خواص الناس ظاهر ولهذا كان وجوب الصلوات الخمس وصوم شهر رمضان وحج البيت وتحريم الفواحش والكذب ونحو ذلك متواترا عند عامة المسلمين وأكثرهم لا يعلمون تفاصيل الأحكام والسنن المتواترة عند الخاصة فإذا كان في الكتب التي بأيدي أهل الكتاب وفيما ينقلونه بالتواتر ما يوافق ما أخبر به نبينا محمد عليه الصلاة والسلام كان في ذلك فوائد جليلة هي من بعض حكمه إقرارهم بالجزية:
أحدها: أنه إذا علم اتفاق الرسل على مثل هذا علم صدقهم فيما أخبروا به عن الله تعالى حيث أخبر محمد صلى الله عليه وسلم بمثل ما أخبر به موسى من غير تواطؤ ولا تشاعر.
الثاني: أن ذلك دليل على اتفاق الرسل كلهم في أصول الدين كما يعلم أن رسل الله قبله كانوا رجالا من البشر لم يكونوا ملائكة فلا يجعل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي جاء بها كما قال تعالى: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ [3] وقال تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) [4].
الثالث: أن هذه آية على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث أخبر بمثل ما أخبرت به الأنبياء من غير تعلم من بشر وهذه الأمور هي من الغيب قال تعالى: تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49) [5].
وقال تعالى: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ [1] سورة يونس، الآية: 94. [2] سورة الرعد، الآية: 43. [3] سورة الأحقاف، الآية: 9. [4] سورة يوسف، الآيات: 109 - 111. [5] سورة هود، الآية: 49.
اسم الکتاب : شرح العقيدة الأصفهانية المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 206