اسم الکتاب : درء تعارض العقل والنقل المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 380
والأرموي وغيرهما يقولون بتسلسل الآثار، بل قول أولئك يقتضي أن يكون الفلك هو رب ما دونه، وهو المحدث للحوادث بأفعاله القائمة به المتعاقبة، وقول الأبهري يقتضي أن يكون الله هو رب العالمين، وهو محدث لكل شيء مما يقوم به من الأفعال المتعاقبة.
ولا ريب أن قول أولئك فاسد في العقل، كما هو فاسد في الشرع، فإن الفلك إذا كان ممكناً فجميع صفاته وحركاته ممكنة، ولا يترجح شيء من ذلك إلا بوجود المرجح التام، فالمرجح التام إن كان موجوداً في الأزل لزم وجود مقتضاه في الأزل.
ثم ذلك المرجح إن كان في نفسه علة تامة لمعلوله، بحيث لا يتجدد به ولا منه شيء، امتنع أن يصدر عنه شيء، بعد أن لم يكن صادراً لا في الفلك ولا في غير الفلك، لا دائم ولا منقطع، وامتنع أن تكون حركة الفلك الدائمة صادرة عن هذا، لا سيما مع اختلاف الحركات والمتحركات، وأنه بسيط عندهم من كل وجه، وهو في الأزل علة تامة، فيمتنع أن تصدر عنه المختلفات والمتجددات، كما أن جميع المتحركات الممكنات لا تدوم حركتها إلا بدوام السبب المحرك المنفصل عنها، وهذا لأن حال الفاعل إذا كانت حين أحدث هذا المتأخر كحاله حين أحدث ذلك المتقدم، امتنع تخصيص هذا الحال بالفصل دون هذه، كما يقولون هم ذلك.
وإن قالوا: (إنما كان هذا لأن حركة الفلك لم يمكن وجودها كلها، أو لم يمكن وجود الحوادث كلها في الأزل، فتأخر فيضه لتأخر استعداد القوابل) .
اسم الکتاب : درء تعارض العقل والنقل المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 380