responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : القواعد النورانية المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 154
ثُمَّ هَؤُلَاءِ يُقِيمُونَ الْإِشَارَةَ مَقَامَ الْعِبَارَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا، كَمَا فِي الْأَخْرَسِ.
وَيُقِيمُونَ الْكِتَابَةَ أَيْضًا مَقَامَ الْعِبَارَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ. وَقَدْ يَسْتَثْنُونَ مَوَاضِعَ دَلَّتِ النُّصُوصُ عَلَى جَوَازِهَا إِذَا مَسَّتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهَا. كَمَا فِي الْهَدْيِ إِذَا عَطِبَ دُونَ مَحِلِّهِ فَإِنَّهُ يُنْحَرُ ثُمَّ يُصْبَغُ نَعْلُهُ الْمُعَلَّقُ فِي عُنُقِهِ بِدَمِهِ عَلَامَةً لِلنَّاسِ، وَمَنْ أَخَذَهُ مَلَكَهُ. وَكَذَلِكَ الْهَدِيَّةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، لَكِنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُمْ هُوَ اللَّفْظُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ هُوَ التَّرَاضِي، الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] [النِّسَاءِ: 29] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا} [النساء: 4] [النِّسَاءِ: 4] . وَالْمَعَانِي الَّتِي فِي النَّفْسِ لَا تَنْضَبِطُ إِلَّا بِالْأَلْفَاظِ الَّتِي جُعِلَتْ لِإِبَانَةِ مَا فِي الْقَلْبِ، إِذِ الْأَفْعَالُ مِنَ الْمُعَاطَاةِ وَنَحْوِهَا: تَحْتَمِلُ وُجُوهًا كَثِيرَةً؛ وَلِأَنَّ الْعُقُودَ مِنْ جِنْسِ الْأَقْوَالِ، فَهِيَ فِي الْمُعَامَلَاتِ كَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ فِي الْعِبَادَاتِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا تَصِحُّ بِالْأَفْعَالِ، [فِيمَا] كَثُرَ عَقْدُهُ بِالْأَفْعَالِ، كَالْمَبِيعَاتِ [الْمُحَقَّرَاتِ] ، وَكَالْوَقْفِ فِي مِثْلِ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا وَأَذِنَ لِلنَّاسِ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ، أَوْ سَبَّلَ أَرْضًا لِلدَّفْنِ فِيهَا، أَوْ بَنَى مِطْهَرَةً وَسَبَّلَهَا لِلنَّاسِ، وَكَبَعْضِ أَنْوَاعِ الْإِجَارَةِ: كَمَنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إِلَى غَسَّالٍ أَوْ خَيَّاطٍ يَعْمَلُ بِالْأَجْرِ، أَوْ رَكِبَ سَفِينَةَ مَلَّاحٍ، وَكَالْهَدِيَّةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَإِنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَوْ لَمْ تَنْعَقِدْ بِالْأَفْعَالِ الدَّالَّةِ عَلَيْهَا لَفَسَدَتْ أَكْثَرُ أُمُورِ النَّاسِ، وَلِأَنَّ النَّاسَ مِنْ لَدُنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَى يَوْمِنَا هَذَا مَا زَالُوا يَتَعَاقَدُونَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِلَا لَفْظٍ، بَلْ بِالْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَى الْمَقْصُودِ.
وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى أُصُولِ أبي حنيفة، وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ

اسم الکتاب : القواعد النورانية المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 154
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست