responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 87
وَذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ، قَالُوا: قَدْ حَصَلَ اتِّفَاقٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَالِمٍ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَالظَّالِمُ مِنْ الظُّلْمِ، كَمَا أَنَّ الْعَادِلَ مِنْ فِعْلِ الْعَدْلِ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ مُسَمَّى هَذَا الِاسْمِ سَمْعًا وَعَقْلًا، قَالُوا: وَلَوْ كَانَ اللَّهُ خَالِقًا لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ الَّتِي هِيَ الظُّلْمُ لَكَانَ ظَالِمًا، فَعَارَضَهُمْ هَؤُلَاءِ بِأَنْ قَالُوا: لَيْسَ الظَّالِمُ مِنْ فِعْلِ الظُّلْمِ، بَلْ الظَّالِمُ مَنْ قَامَ بِهِ الظُّلْمُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الظَّالِمُ مَنْ اكْتَسَبَ الظُّلْمَ وَكَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الظَّالِمُ مَنْ فَعَلَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ أَوْ مَا نُهِيَ عَنْهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَنْ فَعَلَ الظُّلْمَ لِنَفْسِهِ. وَهَؤُلَاءِ يَعْنُونَ أَنْ يَكُونَ النَّاهِي لَهُ وَالْمُحَرِّمُ عَلَيْهِ غَيْرَهُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ طَاعَتُهُ، وَلِهَذَا كَانَ تَصَوُّرُ الظُّلْمِ مِنْهُ مُمْتَنِعًا عِنْدَهُمْ لِذَاتِهِ، كَامْتِنَاعِ أَنْ يَكُونَ فَوْقَهُ آمِرٌ لَهُ وَنَاهٍ.
وَيَمْتَنِعُ عِنْدَ الطَّائِفَتَيْنِ أَنْ يَعُودَ إلَى الرَّبِّ مِنْ أَفْعَالِهِ حُكْمٌ لِنَفْسِهِ وَهَؤُلَاءِ لَمْ يُمْكِنْهُمْ أَنْ نَازَعُوا أُولَئِكَ فِي أَنَّ الْعَادِلَ مَنْ فَعَلَ الْعَدْلَ، بَلْ سَلَّمُوا ذَلِكَ لَهُمْ وَإِنْ نَازَعَهُمْ بَعْضُ النَّاسِ مُنَازَعَةً عِنَادِيَّةً. وَاَلَّذِي يَكْشِفُ تَلْبِيسَ الْمُعْتَزِلَةِ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: الظَّالِمُ وَالْعَادِلُ الَّذِي يَعْرِفُهُ النَّاسُ، وَإِنْ كَانَ فَاعِلًا لِلظُّلْمِ وَالْعَدْلِ، فَذَلِكَ يَأْثَمُ بِهِ أَيْضًا، وَلَا يَعْرِفُ النَّاسُ مَنْ يُسَمَّى ظَالِمًا وَلَمْ يَقُمْ بِهِ الْفِعْلُ الَّذِي صَارَ ظَالِمًا، بَلْ لَا يَعْرِفُونَ ظَالِمًا إلَّا مَنْ قَامَ بِهِ الْفِعْلُ الَّذِي فَعَلَهُ وَبِهِ صَارَ ظَالِمًا، وَإِنْ كَانَ فِعْلُهُ مُتَعَلِّقًا بِغَيْرِهِ وَلَهُ مَفْعُولٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ، لَكِنْ لَا يَعْرِفُونَ الظَّالِمَ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ قَدْ قَامَ بِهِ ذَلِكَ، فَكَوْنُكُمْ أَخَذْتُمْ فِي حَدِّ الظَّالِمِ أَنَّهُ مَنْ فَعَلَ الظُّلْمَ، وَعَيَّنْتُمْ بِذَلِكَ مَنْ فَعَلَهُ فِي غَيْرِهِ فَهَذَا تَلْبِيسٌ وَإِفْسَادُ الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ وَاللُّغَةِ، كَمَا فَعَلْتُمْ فِي مُسَمَّى الْمُتَكَلِّمِ، حَيْثُ قُلْتُمْ: هُوَ مِنْ فِعْلِ الْكَلَامِ وَلَوْ فِي غَيْرِهِ، وَجَعَلْتُمْ مَنْ أَحْدَثَ كَلَامًا مُنْفَصِلًا عَنْهُ قَائِمًا بِغَيْرِهِ مُتَكَلِّمًا وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ هُوَ كَلَامٌ أَصْلًا، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْبُهْتَانِ وَالْقَرْمَطَةِ وَالسَّفْسَطَةِ، وَلِهَذَا أَلْزَمَهُمْ السَّلَفُ أَنْ يَكُونَ مَا أَحْدَثَهُ مِنْ الْكَلَامِ فِي الْجَمَادَاتِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا مَا خَلَقَهُ فِي الْحَيَوَانَاتِ، وَلَا يُفَرَّقُ حِينَئِذٍ بَيْنَ نُطْقٍ وَنُطْقٍ، وَإِنَّمَا قَالَتْ الْجُلُودُ: {أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: 21] ، وَلَمْ تَقُلْ: نَطَقَ اللَّهُ بِذَلِكَ.
وَلِهَذَا

اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 87
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست