responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 80
أَحَدٍ مِنْ وِزْرِ غَيْرِهِ شَيْءٌ، وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا مَا سَعَاهُ، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ حَقٌّ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَإِنْ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ تَعْذِيبَ الْمَيِّتِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ يُنَافِي الْأَوَّلَ، فَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ ذَلِكَ النَّائِحُ يُعَذَّبُ بِنَوْحِهِ، لَا يَحْمِلُ الْمَيِّتُ وِزْرَهُ، وَلَكِنَّ الْمَيِّتَ يَنَالُهُ أَلَمٌ مِنْ فِعْلِ هَذَا، كَمَا يَتَأَلَّمُ الْإِنْسَانُ مِنْ أُمُورٍ خَارِجَةٍ عَنْ كَسْبِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَزَاءُ الْكَسْبِ وَالْعَذَابِ أَعَمَّ مِنْ الْعِقَابِ، كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ» . وَكَذَلِكَ ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ انْتِفَاعَ الْمَيِّتِ بِالْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ مِنْ الْحَيِّ يُنَافِي قَوْلَهُ: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] .
فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَإِنَّ انْتِفَاعَ الْمَيِّتِ بِالْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ مِنْ الْحَيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآيَةِ كَانْتِفَاعِهِ بِالْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ، وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْآيَةَ تُخَالِفُ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ، فَقَوْلُهُ ظَاهِرُ الْفَسَادِ، بَلْ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآيَةِ كَانْتِفَاعِهِ بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالشَّفَاعَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا يُبَيِّنُ انْتِفَاعَ الْإِنْسَانِ بِسَعْيِ غَيْرِهِ، إذْ الْآيَةُ إنَّمَا نَفَتْ اسْتِحْقَاقَ السَّعْيِ وَمِلْكَهُ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ الْإِنْسَانُ وَلَا يَمْلِكُهُ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْسِنَ إلَيْهِ مَالِكُهُ وَمُسْتَحِقُّهُ بِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْهُ، فَهَذَا نَوْعٌ وَهَذَا نَوْعٌ، وَكَذَلِكَ لَيْسَ كُلُّ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْإِنْسَانُ لَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ جِهَتِهِ مَنْفَعَةٌ، فَإِنَّ هَذَا كَذِبٌ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، وَهَذِهِ النُّصُوصُ النَّافِيَةُ لِلظُّلْمِ تُثْبِتُ الْعَدْلَ فِي الْجَزَاءِ، وَأَنَّهُ لَا يُبْخَسُ عَامِلٌ عَمَلَهُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِيمَنْ عَاقَبَهُمْ: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} [هود: 101] ، وَقَوْلُهُ: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} [الزخرف: 76] بَيَّنَ أَنَّ عِقَابَ الْمُجْرِمِينَ عَدْلٌ لِذُنُوبِهِمْ، لَا لِأَنَّا ظَلَمْنَاهُمْ فَعَاقَبْنَاهُمْ بِغَيْرِ ذَنْبٍ.
وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِي السُّنَنِ: «لَوْ عَذَّبَ اللَّهُ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَرْضِهِ لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ

اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 80
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست