responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 67
ثُمَّ إنَّ الْأَوَائِلَ هُمْ هَؤُلَاءِ الْمُنَجِّمِينَ الْمُشْرِكِينَ الصَّابِئِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ، قَدْ قِيلَ إنَّهُمْ كَانُوا إذَا وُلِدَ لَهُمْ الْمَوْلُودُ أَخَذُوا طَالِعَ الْمَوْلُودِ، وَسَمَّوْا الْمَوْلُودَ بِاسْمٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَإِذَا كَبِرَ سُئِلَ عَنْ اسْمِهِ أَخَذَ السَّائِلُ حَالَ الطَّالِعِ، فَجَاءَ هَؤُلَاءِ الطَّرَقِيَّةُ يَسْأَلُونَ الرَّجُلَ عَنْ اسْمِهِ وَاسْمِ أُمِّهِ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مِنْ ذَلِكَ الدَّلَالَةَ عَلَى أَحْوَالِهِ، وَهَذِهِ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، مُنَافِيَةٌ لِلْعَقْلِ وَالدِّينِ.
وَأَمَّا اخْتِيَارَاتُهُمْ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ الطَّالِعَ لِمَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ الْأَفْعَالِ، مِثْلُ: اخْتِيَارِهِمْ لِلسَّفَرِ أَنْ يَكُونَ الْقَمَرُ فِي مِثْلِ شُرُوقِهِ وَهُوَ السَّرَطَانُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي هُبُوطِهِ وَهُوَ الْعَقْرَبُ، فَهُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ الْمَذْمُومِ. وَلَمَّا أَرَادَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُسَافِرَ لِقِتَالِ الْخَوَارِجِ عَرَضَ لَهُ مُنَجِّمٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَا تُسَافِرْ، فَإِنَّ الْقَمَرَ فِي الْعَقْرَبِ، فَإِنَّك إنْ سَافَرْت وَالْقَمَرُ فِي الْعَقْرَبِ هُزِمَ أَصْحَابُك، أَوْ كَمَا قَالَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: بَلْ نُسَافِرُ ثِقَةً بِاَللَّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَى اللَّهِ وَتَكْذِيبًا لَك، فَسَافَرَ فَبُورِكَ لَهُ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ حَتَّى قَتَلَ عَامَّةَ الْخَوَارِجِ، كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ مَا سُرَّ بِهِ، حَيْثُ كَانَ قِتَالُهُ لَهُمْ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَأَمَّا مَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُسَافِرْ وَالْقَمَرُ فِي الْعَقْرَبِ» . فَكَذِبٌ مُخْتَلَقٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: " إنَّهَا صَنْعَةُ إدْرِيسَ ". فَيُقَالُ أَوَّلًا: هَذَا قَوْلٌ بِلَا عِلْمٍ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُعْلَمُ إلَّا بِالنَّقْلِ الصَّحِيحِ، وَلَا سَبِيلَ لِهَذَا الْقَائِلِ إلَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ فِي كُتُبِ هَؤُلَاءِ هُرْمُسُ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ هُوَ إدْرِيسُ، وَالْهِرْمِسُ عِنْدَهُمْ اسْمُ جِنْسٍ، وَلِهَذَا يَقُولُونَ هُرْمُسُ الْهَرَامِسَةِ، هَذَا الْقَدْرُ الَّذِي يَذْكُرُونَهُ عَنْ هِرْمِسِهِمْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ قَطْعًا أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ مَأْخُوذًا عَنْ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ.
وَيُقَالُ ثَانِيًا: إنَّ هَذَا إنْ كَانَ مَأْخُوذًا عَنْ إدْرِيسَ، فَإِنَّهُ كَانَ مُعْجِزَةً لَهُ وَعِلْمًا أَعْطَاهُ اللَّهُ إيَّاهُ، فَيَكُونُ مِنْ الْعُلُومِ النَّبَوِيَّةِ، وَهَؤُلَاءِ مَا يَحْتَجُّونَ عَلَيْهِ بِالتَّجْرِبَةِ وَالْقِيَاسِ، لَا بِأَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 67
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست