responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 476
فَأَرْسَلَتْ إلَيْهَا فَسَلَخَتْ مَسْكَهَا فَدَبَغَتْهُ، فَاِتَّخَذَتْ مِنْهُ قِرْبَةً حَتَّى تَخَرَّقَتْ عِنْدَهَا» .
فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْجِلْدَ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ الدِّبَاغُ لِإِبْقَاءِ الْجِلْدِ وَحِفْظِهِ، لَا لِكَوْنِهِ شَرْطًا فِي الْحِلِّ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَتَكُونُ الرُّخْصَةُ لِجُهَيْنَةَ فِي هَذَا. وَالنَّسْخُ عَنْ هَذَا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ فِي سُورَتَيْنِ مَكِّيَّتَيْنِ: الْأَنْعَامِ وَالنَّحْلِ، ثُمَّ فِي سُورَتَيْنِ مَدَنِيَّتَيْنِ: الْبَقَرَةِ وَالْمَائِدَةِ، وَالْمَائِدَةُ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا كَمَا رُوِيَ «الْمَائِدَةُ آخِرُ الْقُرْآنِ نُزُولًا، فَأَحِلُّوا حَلَالَهَا وَحَرِّمُوا حَرَامَهَا» وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ فِيهَا مِنْ التَّحْرِيمِ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي غَيْرِهَا، وَحَرَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْيَاءَ مِثْلَ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ.
وَإِذَا كَانَ التَّحْرِيمُ زَادَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَا فِي السُّورَةِ الْمَكِّيَّةِ الَّتِي اسْتَنَدَتْ الرُّخْصَةَ الْمُطْلَقَةَ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمُ الِانْتِفَاعِ بِالْعَصَبِ وَالْإِهَابِ قَبْلَ الدِّبَاغِ ثَبَتَ بِالنُّصُوصِ الْمُتَأَخِّرَةِ، وَأَمَّا بَعْدَ الدِّبَاغِ فَلَمْ يُحَرَّمْ ذَلِكَ قَطُّ، بَلْ بَيَّنَ أَنَّ دِبَاغَهُ طَهُورُهُ وَذَكَاتُهُ، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ بِدُونِ الدِّبَاغِ.
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَلِلنَّاسِ فِيمَا يُطَهِّرُهُ الدِّبَاغُ أَقْوَالٌ: قِيلَ: إنَّهُ يُطَهِّرُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْحَمِيرَ، كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَدَاوُد.
وَقِيلَ: يُطَهِّرُ كُلَّ شَيْءٍ سِوَى الْحَمِيرِ، كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقِيلَ: يُطَهِّرُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا الْكَلْبَ، وَالْحَمِيرَ، كَمَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ عَلَى الْقَوْلِ بِتَطْهِيرِ الدِّبَاغِ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ فِي مَذْهَبِهِ، وَهُوَ قَوْلُ طَوَائِفَ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ، إنَّهُ إنَّمَا يُطَهِّرُ مَا يُبَاحُ بِالذَّكَاةِ، فَلَا يُطَهِّرُ جُلُودَ السِّبَاعِ.
وَمَأْخَذُ التَّرَدُّدِ أَنَّ الدِّبَاغَ: هَلْ هُوَ كَالْحَيَاةِ فَيُطَهِّرُ مَا كَانَ طَاهِرًا فِي الْحَيَاةِ، أَوْ هُوَ كَالذَّكَاةِ، فَيُطَهِّرُ مَا طَهُرَ بِالذَّكَاةِ، وَالثَّانِي أَرْجَحُ.

اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 476
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست