responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 415
نَجِسٌ أَوْ غَيْرُ مُطَهِّرٍ، وَهَذَا مَعَ تَغَيُّرِ الْأَمْوَاهِ فِي مَوَارِدِ التَّطْهِيرِ، تَارَةً بِالطَّاهِرَاتِ، وَتَارَةً بِالنَّجَاسَاتِ، فَإِذَا كَانَتْ الْمُخَالَطَةُ الَّتِي هِيَ أَشَدُّ أَسْبَابِ التَّغْيِيرِ لَا تُؤَثِّرُ فِي مَحَلِّ عَمَلِنَا وَانْتِفَاعِنَا، فَمَا ظَنُّك بِالْجِسْمِ الْمُفْرَدِ فِي مَحَلِّ عَمَلِهِ بِخَلْقِ اللَّهِ وَتَدْبِيرِهِ، فَافْهَمْ هَذَا فَإِنَّهُ لُبَابُ الْفِقْهِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ عَنْ أَصْلِ الدَّلِيلِ: أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الدَّمَ نَجِسٌ، فَإِنَّهُ قَدْ اسْتَحَالَ وَتَبَدَّلَ. وَقَوْلُهُمْ: الِاسْتِحَالَةُ لَا تُطَهِّرُ. قُلْنَا: مَنْ أَفْتَى بِهَذِهِ الْفَتْوَى الطَّوِيلَةِ الْعَرِيضَةِ الْمُخَالِفَةِ لِلْإِجْمَاعِ؟ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا أَنَّ الْخَمْرَ إذَا بَدَأَ اللَّهُ بِإِفْسَادِهَا وَتَحْوِيلِهَا خَلًّا طَهُرَتْ، وَكَذَلِكَ تَحْوِيلُ الدَّوَابِّ وَالشَّجَرِ، بَلْ أَقُولُ الِاسْتِقْرَاءُ دَلَّنَا أَنَّ كُلَّ مَا بَدَأَ اللَّهُ بِتَحْوِيلِهِ وَتَبْدِيلِهِ مِنْ جِنْسٍ إلَى جِنْسٍ، مِثْلُ: جَعْلِ الْخَمْرِ خَلًّا، وَالدَّمِ مَنِيًّا، وَالْعَلَقَةِ مُضْغَةً، وَلَحْمِ الْجَلَّالَةِ الْخَبِيثِ طَيِّبًا، وَكَذَلِكَ بَيْضُهَا وَلَبَنُهَا، وَالزَّرْعُ الْمُسْتَسْقَى بِالنَّجِسِ إذَا سُقِيَ بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَزُولُ حُكْمُ التَّنْجِيسِ، وَيَزُولُ حَقِيقَةُ الْجِنْسِ وَاسْمِهِ التَّابِعِ لِلْحَقِيقَةِ، وَهَذَا ضَرُورِيٌّ لَا يُمْكِنُ الْمُنَازَعَةُ فِيهِ، فَإِنَّ جَمِيعَ الْأَجْسَامِ الْمَخْلُوقَةِ فِي الْأَرْضِ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحَوِّلُهَا مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ، وَيُبَدِّلُهَا خَلْقًا بَعْدَ خَلْقٍ، وَلَا الْتِفَاتَ إلَى مَوَادِّهَا وَعَنَاصِرِهَا. وَأَمَّا مَا اسْتَحَالَ بِسَبَبِ كَسْبِ الْإِنْسَانِ: كَإِحْرَاقِ الرَّوْثِ حَتَّى يَصِيرَ رَمَادًا، وَوَضْعِ الْخِنْزِيرِ فِي الْمَلَّاحَةِ حَتَّى يَصِيرَ مِلْحًا، فَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ. وَلِلْقَوْلِ بِالتَّطْهِيرِ اتِّجَاهٌ وَظُهُورٌ، وَمِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
الدَّلِيلُ الْخَامِسُ: أَنَّ الْمَنِيَّ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الذَّكَرِ فِي خَلْقِهِ، فَإِنَّهُ غَلِيظٌ، وَتِلْكَ رَقِيقَةٌ، وَفِي لَوْنِهِ فَإِنَّهُ أَبْيَضُ شَدِيدُ الْبَيَاضِ، وَفِي رِيحِهِ فَإِنَّهُ طَيِّبٌ كَرَائِحَةِ الطَّلْعِ، وَتِلْكَ خَبِيثَةٌ، ثُمَّ جَعَلَهُ اللَّهُ أَصْلًا لِجَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ وَعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، وَالْإِنْسَانُ الْمُكْرَمُ، فَكَيْفَ يَكُونُ أَصْلُهُ نَجِسًا؟ .
وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَقَدْ نَاظَرَ بَعْضَ مَنْ يَقُولُ بِنَجَاسَتِهِ، لِرَجُلٍ قَالَ لَهُ: مَا بَالُك وَبَالُ هَذَا؟ قَالَ: أُرِيدَ أَنْ أَجْعَلَ أَصْلَهُ طَاهِرًا، وَهُوَ يَأْبَى إلَّا أَنْ يَكُونَ نَجِسًا. ثُمَّ لَيْسَ شَأْنُهُ شَأْنَ الْفُضُولِ، بَلْ شَأْنُ مَا هُوَ غِذَاءٌ وَمَادَّةٌ فِي الْأَبْدَانِ، إذْ هُوَ قِوَامُ النَّسْلِ، فَهُوَ بِالْأُصُولِ أَشْبَهَ مِنْهُ بِالْفَضْلِ.

اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 415
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست