responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 389
أَحَدُهَا: أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمَرْضَى، أَوْ أَكْثَرَ الْمَرْضَى يُشْفَوْنَ بِلَا تَدَاوٍ، لَا سِيَّمَا فِي أَهْلِ الْوَبَرِ وَالْقُرَى، وَالسَّاكِنِينَ فِي نَوَاحِي الْأَرْضِ يَشْفِيهِمْ اللَّهُ بِمَا خَلَقَ فِيهِمْ مِنْ الْقُوَى الْمَطْبُوعَةِ فِي أَبْدَانِهِمْ، الرَّافِعَةِ لِلْمَرَضِ، وَفِيمَا يُيَسِّرُهُ لَهُمْ مِنْ نَوْعِ حَرَكَةٍ وَعَمَلٍ أَوْ دَعْوَةٍ مُسْتَجَابَةٍ أَوْ رُقْيَةٍ نَافِعَةٍ، أَوْ قُوَّةٍ لِلْقَلْبِ، وَحُسْنِ التَّوَكُّلِ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْكَثِيرَةِ غَيْرِ الدَّوَاءِ، وَأَمَّا الْأَكْلُ فَهُوَ ضَرُورِيٌّ، وَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ أَبْدَانَ الْحَيَوَانِ تَقُومُ إلَّا بِالْغِذَاءِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَمَاتَ، فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ التَّدَاوِيَ لَيْسَ مِنْ الضَّرُورَةِ فِي شَيْءٍ.
وَثَانِيهَا: أَنَّ الْأَكْلَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَاجِبٌ. قَالَ مَسْرُوقٌ: مَنْ اُضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ، فَلَمْ يَأْكُلْ، فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ وَالتَّدَاوِي غَيْرُ وَاجِبٍ «وَمَنْ نَازَعَ فِيهِ خَصَمَتْهُ السُّنَّةُ فِي الْمَرْأَةِ السَّوْدَاءِ الَّتِي خَيَّرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ، وَدُخُولِ الْجَنَّةِ وَبَيْنَ الدُّعَاءِ بِالْعَافِيَةِ، فَاخْتَارَتْ الْبَلَاءَ وَالْجَنَّةَ» ، وَلَوْ كَانَ رَفْعُ الْمَرَضِ وَاجِبًا لَمْ يَكُنْ لِلتَّخْيِيرِ مَوْضِعٌ، كَدَفْعِ الْجُوعِ، وَفِي دُعَائِهِ لِأُبَيٍّ بِالْحُمَّى، وَفِي اخْتِيَارِهِ الْحُمَّى لِأَهْلِ قُبَاءَ، وَفِي دُعَائِهِ بِفَنَاءِ أُمَّتِهِ بِالطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ، وَفِي نَهْيِهِ عَنْ الْفِرَارِ مِنْ الطَّاعُونِ، وَخَصَمَهُ حَالُ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ الْمُبْتَلِينَ الصَّابِرِينَ عَلَى الْبَلَاءِ، حِينَ لَمْ يَتَعَاطَوْا الْأَسْبَابَ الدَّافِعَةَ لَهُ، مِثْلُ أَيُّوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَغَيْرِهِ، وَخَصَمَهُ حَالُ السَّلَفِ الصَّالِحِ. فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ قَالُوا لَهُ: أَلَا نَدْعُو لَك الطَّبِيبَ، قَالَ: قَدْ رَآنِي، قَالُوا: فَمَا قَالَ لَك؟ قَالَ: إنِّي فَعَّالٌ لِمَا أُرِيدُ.
وَمِثْلُ هَذَا وَنَحْوِهِ يُرْوَى عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمٍ الْمُخْبِتِ الْمُنِيبِ، الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْكُوفِيِّينَ أَوْ كَأَفْضَلِهِمْ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ الْهَادِي الْمَهْدِيّ، وَخَلْقٌ كَثِيرٌ لَا يُحْصُونَ عَدَدًا، وَلَسْت أَعْلَمُ سَالِفًا أَوْجَبَ التَّدَاوِي، وَإِنَّمَا كَانَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْمَعْرِفَةِ يُفَضِّلُ تَرْكَهُ تَفَضُّلًا، وَاخْتِيَارًا لِمَا اخْتَارَ اللَّهُ، وَرِضًى بِهِ، وَتَسْلِيمًا لَهُ، وَهَذَا الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ يُوجِبُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَحِبُّهُ، وَيُرَجِّحُهُ كَطَرِيقَةِ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ، اسْتِمْسَاكًا لِمَا خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ الْأَسْبَابِ، وَجَعَلَهُ مِنْ سُنَنِهِ فِي عِبَادِهِ.

اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 389
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست