responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 385
إمَّا قَائِلٌ يَقُولُ: هَذَا اسْتِعْبَادٌ مَحْضٌ، وَابْتِلَاءٌ صِرْفٌ، فَلَا قِيَاسَ، وَلَا إلْحَاقَ، وَلَا اجْتِمَاعَ، وَلَا افْتِرَاقَ، وَإِمَّا قَائِلٌ يَقُولُ: دَقَّتْ عَلَيْنَا عِلَلُهُ وَأَسْبَابُهُ، وَخَفِيَتْ عَلَيْنَا مَسَالِكُهُ وَمَذَاهِبُهُ، وَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ إلَيْنَا رَسُولًا يُزَكِّينَا، وَيُعَلِّمُنَا الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، بَعَثَهُ إلَيْنَا وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا نَصْنَعُ مَا رَأَيْنَاهُ يَصْنَعُ، وَالسُّنَّةُ لَا تُضْرَبُ لَهَا الْأَمْثَالُ، وَالتَّعَارُضُ بِآرَاءِ الرِّجَالِ، وَالدِّينُ لَيْسَ بِالرَّأْيِ، وَيَجِبُ أَنْ يُتَّهَمَ الرَّأْيُ عَلَى الدِّينِ، وَالْقِيَاسُ فِي مِثْلِ هَذَا الْبَابِ مُمْتَنِعٌ بِاتِّفَاقِ أُولِي الْأَلْبَابِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: هَذَا كُلُّهُ مَدَارُهُ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَبَوْلِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ مُفْتَرِقَيْنِ، فَإِنَّ رِيحَ الْمُحَرَّمِ خَبِيثُهُ، وَأَمَّا رِيحُ الْمُبَاحِ فَمِنْهُ مَا قَدْ يُسْتَطَابُ، مِثْلُ أَرْوَاثِ الظِّبَاءِ وَغَيْرِهَا، وَمَا لَمْ يُسْتَطَبْ مِنْهُ فَلَيْسَ رِيحُهُ كَرِيحِ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ خَلْقُهُ غَالِبًا فَإِنَّهُ يَشْمَلُ عَلَى أَشْيَاءَ مِنْ الْمُبَاحِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي حَقِيقَةِ الْمَسْأَلَةِ، وَسَنَعُودُ إلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي آخِرِهَا.
الدَّلِيلُ الثَّانِي: الْحَدِيثُ الْمُسْتَفِيضُ، أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ وَغَيْرُهُمْ: حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «أَنَّ نَاسًا مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، فَاجْتَوَوْهَا، فَأَمَرَ لَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلِقَاحٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ» - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
فَوَجْهُ الْحُجَّةِ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُمْ فِي شُرْبِ الْأَبْوَالِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُصِيبَ أَفْوَاهَهُمْ، وَأَيْدِيَهُمْ، وَثِيَابَهُمْ، وَآنِيَتَهُمْ، فَإِذَا كَانَ نَجِسَةً وَجَبَ تَطْهِيرُ أَفْوَاهِهِمْ، وَأَيْدِيهِمْ، وَثِيَابِهِمْ لِلصَّلَاةِ، وَتَطْهِيرُ آنِيَتِهِمْ، فَيَجِبُ بَيَانُ ذَلِكَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ إمَاطَةُ مَا أَصَابَهُمْ مِنْهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ نَجِسٍ، وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنْ لَوْ كَانَتْ أَبْوَالُ الْإِبِلِ كَأَبْوَالِ النَّاسِ لَأَوْشَكَ أَنْ يَشْتَدَّ تَغْلِيظُهُ فِي ذَلِكَ، وَمَنْ قَالَ إنَّهُمْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهَا نَجِسَةٌ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْلَمُونَ وُجُوبَ

اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 385
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست