responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 352
فَسَجَدُوا لِمَا سَمِعُوا مِنْ تَعْظِيمِ آلِهَتِهِمْ، فَلَمَّا عَلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ ذَلِكَ أَشْفَقَ وَحَزِنَ لَهُ، فَأَنْزَلَ تَعَالَى تَأْنِيسًا لَهُ، وَتَسْلِيمَهُ عَمَّا عَرَضَ لَهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: 52] إلَى قَوْلِهِ {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحج: 52] » .
أَيْ إذَا تَلَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي تِلَاوَتِهِ، فَلَا يُسْتَنْبَطُ مِنْ سُجُودِ الْمُشْرِكِينَ جَوَازُ السُّجُودِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، لِأَنَّ الْمُشْرِكَ نَجِسٌ لَا يَصِحُّ لَهُ وُضُوءٌ وَلَا سُجُودٌ، إلَّا بَعْدَ عَقْدِ الْإِسْلَامِ. فَيُقَالُ: هَذَا ضَعِيفٌ، فَإِنَّ الْقَوْمَ إنَّمَا سَجَدُوا لَمَّا قَرَأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ} [النجم: 59] {وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ} [النجم: 60] {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} [النجم: 61] {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: 62] . فَسَجَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ مَعَهُ امْتِثَالًا لِهَذَا الْأَمْرِ، وَهُوَ السُّجُودُ لِلَّهِ، وَالْمُشْرِكُونَ تَابَعُوهُ فِي السُّجُودِ لِلَّهِ. وَمَا ذُكِرَ مِنْ التَّمَنِّي - إذَا كَانَ صَحِيحًا - فَإِنَّهُ هُوَ كَانَ سَبَبَ مُوَافَقَتِهِمْ لَهُ فِي السُّجُودِ لِلَّهِ، وَلِهَذَا لَمَّا جَرَى هَذَا بَلَغَ الْمُسْلِمِينَ بِالْحَبَشَةِ ذَلِكَ، فَرَجَعَ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ إلَى مَكَّةَ، وَالْمُشْرِكُونَ مَا كَانُوا يُنْكِرُونَ عِبَادَةَ اللَّهِ وَتَعْظِيمَهُ، وَلَكِنْ كَانُوا يَعْبُدُونَ مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِذَلِكَ، فَكَانَ هَذَا السُّجُودُ مِنْ عِبَادَتِهِمْ لَهُ، وَقَدْ قَالَ: سَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَا سُجُودَ إلَّا بَعْدَ عَقْدِ الْإِسْلَامِ، فَسُجُودُ الْكَافِرِ بِمَنْزِلَةِ دُعَائِهِ لِلَّهِ، وَذِكْرِهِ لَهُ، وَبِمَنْزِلَةِ صَدَقَتِهِ، وَبِمَنْزِلَةِ حِجَّتِهِمْ لِلَّهِ وَهُمْ مُشْرِكُونَ، فَالْكُفَّارُ قَدْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ، وَمَا فَعَلُوهُ مِنْ خَيْرٍ أُثِيبُوا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، فَإِنْ مَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي

اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 352
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست