responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 330
وَالرَّسُولِ تَبَيَّنَ كَمَالُ دِينِهِ، وَتَصْدِيقُ بَعْضِهِ لِبَعْضٍ، وَأَنَّ مَنْ أَفْتَى مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ بِخِلَافِ ذَلِكَ مَعَ اجْتِهَادِهِ وَتَقْوَاهُ لِلَّهِ بِحَسَبِ اسْتِطَاعَتِهِ، فَهُوَ مَأْجُورٌ فِي ذَلِكَ لَا إثْمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَ الْحَقَّ فَيَعْرِفُهُ لَهُ أَجْرَانِ، وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ، كَالْمُجْتَهِدِينَ فِي جِهَةِ الْكَعْبَةِ. وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ كَثِيرَ الْحَجِّ، وَكَانَ يُفْتِي النَّاسَ فِي الْمَنَاسِكِ كَثِيرًا، وَكَانَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ قَدْ احْتَاجَ إلَيْهِ النَّاسُ، وَإِلَى عِلْمِهِ وَدِينِهِ، إذْ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَاتَ قَبْلَهُ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفْتِي بِحَسَبِ مَا سَمِعَهُ وَفَهِمَهُ، فَلِهَذَا يُوجَدُ فِي مَسَائِلِهِ أَقْوَالٌ فِيهَا ضِيقٌ لِوَرَعِهِ وَدِينِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَرْضَاهُ - وَكَانَ قَدْ رَجَعَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْهَا، كَمَا رَجَعَ عَنْ أَمْرِ النِّسَاءِ بِقَطْعِ الْخُفَّيْنِ، وَعَنْ أَمْرِ الْحَائِضِ أَنْ لَا تَنْفِرَ حَتَّى تُوَدِّعَ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَانَ يَأْمُرُ الرِّجَالَ بِالْقَطْعِ إذْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْخَبَرُ النَّاسِخُ.
وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَكَانَ يُبِيحُ لِلرِّجَالِ لُبْسَ الْخُفِّ بِلَا قَطْعٍ إذَا لَمْ يَجِدُوا النَّعْلَيْنِ، لِمَا سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَفَاتٍ، وَكَذَلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَنْهَى الْمُحْرِمَ عَنْ الطِّيبِ حَتَّى يَطُوفَ اتِّبَاعًا لِعُمَرَ. وَأَمَّا سَعْدٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ فَبَلَغَتْهُمْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أَنَّهُ تَطَيَّبَ لِحَرَمِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَكُلُّهُ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» فَأَخَذُوا بِذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ إذَا مَاتَ الْمُحْرِمُ يَرَى إحْرَامَهُ قَدْ انْقَطَعَ، فَلَمَّا مَاتَ ابْنُهُ كَفَّنَهُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ، وَاتَّبَعَهُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ. وَابْنُ عَبَّاسٍ عَلِمَ حَدِيثَ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «غَسِّلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» . فَأَخَذَ بِذَلِكَ وَقَالَ: الْإِحْرَامُ بَاقٍ، يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ إذَا مَاتَ مَا يَجْتَنِبُهُ غَيْرُهُ، وَعَلَى ذَلِكَ فُقَهَاءُ الْحَدِيثِ وَغَيْرُهُمْ.

اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 330
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست