responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 327
فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الشَّرْعَ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِهِ بِعَرَفَاتٍ، لَمْ يَكُنْ شُرِعَ بَعْدُ بِالْمَدِينَةِ، وَأَنَّهُ بِالْمَدِينَةِ إنَّمَا أَرْخَصَ فِي لُبْسِ النَّعْلَيْنِ وَمَا يُشْبِهُهُمَا مِنْ الْمَقْطُوعِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ عَدِمَ مَا يُشْبِهُ الْخُفَّيْنِ يَلْبَسُ الْخُفَّ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَلْبَسُ سَرَاوِيلَ بِلَا فَتْقٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَقْطُوعَ كَالنَّعْلَيْنِ يَجُوزُ لُبْسُهُمَا مُطْلَقًا، وَلُبْسُ مَا أَشْبَهَهُمَا مِنْ جُمْجُمٍ وَمَدَاسٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَوَجْهٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي جَدِّي أَبُو الْبَرَكَاتِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي آخِرِ عُمُرِهِ لَمَّا حَجَّ. وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَبَيَّنَ لَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْمَقْطُوعَ لُبْسُهُ أَصْلٌ لَا بَدَلٌ لَهُ فَيَجُوزُ لُبْسُهُ مُطْلَقًا، وَهَذَا فَهْمٌ صَحِيحٌ مِنْهُ، دُونَ فَهْمِ مَنْ فَهِمَ أَنَّهُ بَدَلٌ. وَالثَّلَاثَةُ تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ فِي الْبَدَلِ، وَهُوَ الْخُفُّ، وَلُبْسُ السَّرَاوِيلِ، فَمَنْ لَبِسَ السَّرَاوِيلَ إذَا عَدِمَ الْأَصْلَ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَهَذَا فَهْمٌ صَحِيحٌ.
وَأَحْمَدُ فَهِمَ مِنْ النَّصِّ الْمُتَأَخِّرِ الَّذِي شُرِعَ فِيهِ الْبَدَلَانِ أَنَّهُ نَاسِخٌ لِلْقَطْعِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهَذَا فَهْمٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يَبْلُغْهُ هَذَا، فَأَوْجَبَ الْفِدْيَةَ عَلَى كُلِّ مَنْ لَبِسَ خُفًّا أَوْ سَرَاوِيلَ إذَا لَمْ يَفْتُقْهُ، وَإِنْ عَدِمَ، كَمَا قَالَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ، وَزَادَ: أَنَّ الرُّخْصَةَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هِيَ لِلْحَاجَةِ، وَالْمُحْرِمُ إذَا احْتَاجَ إلَى مَحْظُورٍ فَعَلَهُ وَافْتَدَى.
وَأَمَّا الْأَكْثَرُونَ فَقَالُوا: مَنْ لَبِسَ الْبَدَلَ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، كَمَا أَبَاحَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَفَاتٍ، وَلَمْ يَأْمُرْ مَعَهُ بِفِدْيَةٍ وَلَا فَتْقٍ.
قَالُوا: وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ مُحْتَاجُونَ إلَى لُبْسِ مَا يَسْتُرُونَ بِهِ عَوْرَاتِهِمْ وَمَا يَلْبَسُونَهُ فِي أَرْجُلِهِمْ، فَالْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ عَامَّةٌ، وَمَا احْتَاجَ إلَيْهِ الْعُمُومُ لَمْ يَحْظُرْ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ فِيهِ فِدْيَةٌ، بِخِلَافِ مَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِمَرَضٍ أَوْ بَرْدٍ، وَمِنْ ذَلِكَ حَاجَةٌ لِعَارِضٍ، وَلِهَذَا «أَرْخَصَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلنِّسَاءِ فِي اللِّبَاسِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فِدْيَةٍ، وَنَهَى الْمُحْرِمَةَ عَنْ

اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 327
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست