responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 262
وَفِي اسْتِعْمَالِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا لَمْ يَقُلْ بِطَهَارَتِهَا فِي الْيَابِسَاتِ رِوَايَتَانِ: أَصَحُّهُمَا جَوَازُ ذَاكَ، وَإِنْ قِيلَ إنَّهُ يُكْرَهُ فَالْكَرَاهَةُ تَزُولُ بِالْحَاجَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: هَذَا يُفْضِي إلَى التَّلَوُّثِ بِدُخَانِ النَّجَاسَةِ، فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَصْلِ الثَّانِي، وَهُوَ أَنَّ النَّجَاسَةَ فِي الْمَلَّاحَةِ إذَا صَارَتْ مِلْحًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَهَلْ هِيَ نَجِسَةٌ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ، هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي الْخِنْزِيرِ الْمَشْوِيِّ فِي التَّنُّورِ، هَلْ تُطَهِّرُ النَّارُ مَا لَصِقَ بِهِ، أَمْ يَحْتَاجُ إلَى غَسْلِ مَا أَصَابَهُ مِنْهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ مَنْصُوصَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: هِيَ نَجِسَةٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: لَا يَطْهُرُ مِنْ النَّجَاسَةِ بِالِاسْتِحَالَةِ إلَّا الْخَمْرَةُ الْمُنْتَقِلَةُ بِنَفْسِهَا، وَالْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ إذَا قِيلَ إنَّ الدَّبْغَ إحَالَةٌ لَا إزَالَةٌ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الْمَالِكِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ: إنَّهَا لَا تَبْقَى نَجِسَةٌ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا نَصُّ التَّحْرِيمِ، لَا لَفْظًا وَلَا مَعْنًى؛ وَلَيْسَتْ فِي مَعْنَى النُّصُوصِ؛ بَلْ هِيَ أَعْيَانٌ طَيِّبَةٌ فَيَتَنَاوَلُهَا نَصُّ التَّحْلِيلِ، وَهِيَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ الْخَمْرِ الْمُنْقَلِبَةِ بِنَفْسِهَا. وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْفَرْقِ بِأَنَّ الْخَمْرَ نُجِّسَتْ بِالِاسْتِحَالَةِ، فَتَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ، بَاطِلٌ، فَإِنَّ جَمِيعَ النَّجَاسَاتِ إنَّمَا نُجِّسَتْ بِالِاسْتِحَالَةِ كَالدَّمِ، فَإِنَّهُ مُسْتَحِيلٌ عَنْ الْغِذَاءِ الطَّاهِرِ، وَكَذَلِكَ الْبَوْلُ وَالْعَذِرَةُ، حَتَّى الْحَيَوَانُ النَّجَسُ مُسْتَحِيلٌ عَنْ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الطَّاهِرَاتِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّجَاسَةَ طَهُرَتْ بِالِاسْتِحَالَةِ. فَإِنَّ نَفْسَ النَّجَسِ لَمْ يَطْهُرْ، لَكِنْ اسْتَحَالَ، وَهَذَا الطَّاهِرُ لَيْسَ هُوَ ذَلِكَ النَّجَسُ وَإِنْ كَانَ مُسْتَحِيلًا مِنْهُ، وَالْمَادَّةُ وَاحِدَةٌ، كَمَا أَنَّ الْمَاءَ لَيْسَ هُوَ الزَّرْعُ، وَالْهَوَاءُ، وَالْحَبُّ، وَتُرَابُ الْمَقْبَرَةِ لَيْسَ هُوَ الْمَيِّتُ، وَالْإِنْسَانُ لَيْسَ هُوَ الْمَنِيُّ.
وَاَللَّهُ تَعَالَى يَخْلُقُ أَجْسَامَ الْعَالَمِ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، وَيُحِيلُ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ، وَهِيَ تُبَدَّلُ مِنْ الْحَقَائِقِ، لَيْسَ هَذَا هَذَا، فَكَيْفَ يَكُونُ الرَّمَادُ هُوَ الْعَظْمَ الْمَيِّتَ،

اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 262
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست