responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 190
وَفِي السُّنَنِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ لَا يُؤَذَّنُ وَلَا يُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ» ، فَأَيُّ ثَلَاثَةٍ كَانُوا مِنْ هَؤُلَاءِ لَا يُؤَذَّنُ وَلَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ كَانُوا مِنْ حِزْبِ الشَّيْطَانِ، اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ إلَّا مِنْ أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ أَكْرَمَهُمْ. فَإِنْ كَانُوا عُبَّادًا زُهَّادًا وَلَهُمْ جُوعٌ وَسَهَرٌ وَصَمْتٌ وَخَلْوَةٌ، كَرُهْبَانِ الدِّيَارَاتِ وَالْمُقِيمِينَ فِي الْكُهُوفِ وَالْمَغَارَاتِ، كَأَهْلِ جَبَلِ لُبْنَانَ، وَأَهْلِ جَبَلِ الْفَتْحِ، الَّذِي بِأُسْوَانَ، وَجَبَلِ لَيْسُونٍ، وَمَغَارَةِ الدَّمِ بِجَبَلِ قَاسِيُونَ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِنْ الْجِبَالِ وَالْبِقَاعِ الَّتِي قَصَدَهَا كَثِيرٌ مِنْ الْعِبَادِ الْجُهَّالِ الضُّلَّالِ، وَيَفْعَلُونَ فِيهَا خَلَوَاتٍ وَرِيَاضِيَّاتٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤَذَّنَ وَتُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ الْخَمْسُ، بَلْ يَتَعَبَّدُونَ بِعِبَادَاتٍ لَمْ يَشْرَعْهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، بَلْ يَعْبُدُونَهُ بِأَذْوَاقِهِمْ وَمَوَاجِيدِهِمْ، مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ لِأَحْوَالِهِمْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَا قَصْدِ الْمُتَابَعَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ، الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهِ: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31] الْآيَةَ. فَهَؤُلَاءِ أَهْلُ الْبِدَعِ وَالضَّلَالَاتِ مِنْ حِزْبِ الشَّيْطَانِ، لَا مِنْ أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ، فَمَنْ شَهِدَ بِوِلَايَةِ اللَّهِ فَهُوَ شَاهِدُ زُورٍ كَاذِبٌ، وَعَنْ طَرِيقِ الصَّوَابِ نَاكِبٌ، ثُمَّ إنْ كَانَ قَدْ عَرَفَ أَنَّ هَؤُلَاءِ مُخَالِفُونَ لِلرَّسُولِ، وَشَهِدَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، فَهُوَ مُرْتَدٌّ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ. إمَّا مُكَذِّبٌ لِلرَّسُولِ، وَإِمَّا شَاكٌّ فِيمَا جَاءَ بِهِ مُرْتَابٌ، وَإِمَّا غَيْرُ مُنْقَادٍ لَهُ، بَلْ مُخَالِفٌ لَهُ جُحُودًا وَعِنَادًا وَإِتْبَاعًا لِهَوَاهُ، وَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ كَافِرٌ.
وَأَمَّا إنْ كَانَ جَاهِلًا بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَهُوَ مُعْتَقِدٌ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ إلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ، وَأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى اللَّهِ إلَّا بِمُتَابَعَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنْ ظَنَّ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ الْبِدْعِيَّةَ، وَالْحَقَائِقَ الشَّيْطَانِيَّةَ هِيَ مِمَّا جَاءَ بِهَا الرَّسُولُ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا مِنْ الشَّيْطَانِ لِجَهْلِهِ بِسُنَّتِهِ وَشَرِيعَتِهِ وَمِنْهَاجِهِ وَطَرِيقَتِهِ وَحَقِيقَتِهِ، لَا لِقَصْدِ مُخَالَفَتِهِ، وَلَا يَرْجُو الْهُدَى فِي غَيْرِ مُتَابَعَتِهِ، فَهَذَا يُبَيَّنُ لَهُ الصَّوَابُ، وَيُعَرَّفُ مَا بِهِ مِنْ السُّنَّةِ وَالْكِتَابِ، فَإِنْ تَابَ وَأَنَابَ وَإِلَّا لَحِقَ بِالْقِسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَكَانَ كَافِرًا مُرْتَدًّا وَلَا تُنْجِيهِ عِبَادَتُهُ وَلَا زَهَادَتُهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، كَمَا لَمْ يَنْجُ مِنْ ذَلِكَ الرُّهْبَانُ، وَعُبَّادُ الصُّلْبَانِ، وَعُبَّادُ النِّيرَانِ،

اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 190
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست