responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 185
وَثَبَتَ أَيْضًا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ: «جَعَلَ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ إيمَانٌ بِاَللَّهِ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ ثُمَّ الْحَجُّ الْمَبْرُورُ» ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ الصَّلَاةَ دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ، كَمَا دَخَلَتْ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] ، قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَغَيْرُهُ مِنْ السَّلَفِ: أَيْ صَلَاتَكُمْ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَلِهَذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ كَالْإِيمَانِ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ بِحَالٍ، فَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ الْفَرْضَ لَا لِعُذْرٍ وَلَا لِغَيْرِ عُذْرٍ، كَمَا لَا يُؤْمِنُ أَحَدٌ عَنْهُ وَلَا تَسْقُطُ بِحَالٍ، كَمَا لَا يَسْقُطُ الْإِيمَانُ بَلْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ مَا دَامَ عَقْلُهُ حَاضِرًا وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ فِعْلِ بَعْضِ أَفْعَالِهَا.

فَإِذَا عَجَزَ عَنْ جَمِيعِ الْأَفْعَالِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَقْوَالِ، فَهَلْ يُصَلِّي بِتَحْرِيكِ طَرَفِهِ وَيَسْتَحْضِرُ الْأَفْعَالَ بِقَلْبِهِ، فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، تَبَيَّنَ أَنَّ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ، فَقَدْ حَرُمَ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ مِنْ فَرْضٍ وَنَفْلٍ، وَالْوِلَايَةُ هِيَ الْإِيمَانُ، وَالتَّقْوَى الْمُتَضَمِّنَةُ لِلتَّقَرُّبِ بِالْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ، فَقَدْ حَرَّمَ مَا بِهِ يَتَقَرَّبُ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ إلَيْهِ، لَكِنَّهُ مَعَ جُنُونِهِ قَدْ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْهُ، فَلَا يُعَاقَبُ، كَمَا لَا يُعَاقَبُ الْأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ، إذْ لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ، ثُمَّ إنْ كَانَ مُؤْمِنًا قَبْلَ حُدُوثِ الْجُنُونِ بِهِ، وَلَهُ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ، وَكَانَ يَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ بِالْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ قَبْلَ زَوَالِ عَقْلِهِ، كَانَ لَهُ مِنْ ثَوَابِ ذَلِكَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ مَا تَقَدَّمَ، وَكَانَ لَهُ مِنْ وِلَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِحَسَبِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، كَمَا لَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ الرِّدَّةَ تُحْبِطُ الْأَعْمَالَ، وَلَيْسَ مِنْ السَّيِّئَاتِ مَا يُحْبِطُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ إلَّا الرِّدَّةُ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَسَنَاتِ مَا يُحْبِطُ جَمِيعَ السَّيِّئَاتِ إلَّا التَّوْبَةُ، فَلَا يُكْتَبُ لِلْمَجْنُونِ حَالَ جُنُونِهِ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ، كَمَا لَا يَكُونُ مِثْلُ ذَلِكَ لِسَيِّئَاتِهِ فِي زَوَالِ عَقْلِهِ فَالْأَعْمَالُ الْمُسْكِرَةُ وَالنَّوْمُ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ لَيْسَ لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ.
وَلَكِنْ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا كَانَ يَعْمَلُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ» .
وَفِي الصَّحِيحِ

اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 185
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست