responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 174
فَذَوِي الْأَنْسَابِ الْفَاضِلَةِ إذَا أَسَاءُوا كَانَتْ إسَاءَتُهُمْ أَغْلَظَ مِنْ إسَاءَةِ غَيْرِهِمْ، وَعُقُوبَتُهُمْ أَشَدَّ عُقُوبَةً مِنْ غَيْرِهِمْ، وَكُفْرُ مَنْ كَفَرَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ إنْ لَمْ يَكُنْ أَشَدَّ مِنْ كُفْرِ غَيْرِهِمْ وَعُقُوبَتُهُمْ أَشَدُّ عُقُوبَةً مِنْ غَيْرِهِمْ فَلَا أَقَلَّ مِنْ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمْ، وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إنَّ مَنْ كَفَرَ وَفَسَقَ مِنْ قُرَيْشٍ وَالْعَرَبِ تُخَفَّفُ عَنْهُ الْعُقُوبَةُ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ إمَّا أَنْ تَكُونَ عُقُوبَتُهُمْ أَشَدَّ عُقُوبَةً مِنْ غَيْرِهِمْ فِي أَشْهَرِ الْقَوْلَيْنِ، أَوْ تَكُونَ عُقُوبَتُهُمْ أَغْلَظَ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَكْرَمَهُ بِنِعْمَتِهِ وَرَفَعَ قَدْرَهُ إذَا قَابَلَ حُقُوقَهُ بِالْمَعَاصِي وَقَابَلَ نِعَمَهُ بِالْكُفْرِ، كَانَ أَحَقَّ بِالْعُقُوبَةِ مِمَّنْ لَمْ يُنْعِمْ عَلَيْهِ كَمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ.
الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا فَتَحُوا الشَّامَ وَالْعِرَاقَ وَمِصْرَ وَخُرَاسَانَ وَغَيْرَهُمْ، وَكَانُوا يَأْكُلُونَ ذَبَائِحَهُمْ، لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ طَائِفَةٍ وَطَائِفَةٍ، وَلَمْ يُعْرَفْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ الْفَرْقُ بَيْنَهُمْ بِالْأَنْسَابِ، وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي بَنِي تَغْلِبَ خَاصَّةً لِأَمْرٍ يَخْتَصُّ بِهِمْ، كَمَا أَنَّ عُمَرَ ضَعَّفَ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةَ، وَجَعَلَ جِزْيَتَهُمْ مُخَالِفَةً لِجِزْيَةِ غَيْرِهِمْ، وَلَمْ يُلْحِقْ بِهِمْ سَائِرَ الْعَرَبِ، وَإِنَّمَا أَلْحَقَ بِهِمْ مَنْ كَانَ بِمَنْزِلَتِهِمْ.
الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنْ يُقَالَ هَذَا الْقَوْلُ مُسْتَلْزِمٌ أَنْ لَا يَحِلَّ لَنَا طَعَامُ جُمْهُورٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّا لَا نَعْرِفُ نَسَبَ كَثِيرٍ مِنْهُمْ وَلَا نَعْلَمُ قَبْلَ أَيَّامِ الْإِسْلَامِ أَنَّ أَجْدَادَهُ كَانُوا يَهُودًا أَوْ نَصَارَى قَبْلَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ حِلَّ ذَبَائِحِهِمْ وَنِسَائِهِمْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مُسْتَلْزِمًا رَفْعَ مَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ عُلِمَ أَنَّهُ بَاطِلٌ.
الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنْ يُقَالَ مَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ يَأْكُلُونَ ذَبَائِحَهُمْ، فَمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفَ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ.
وَهَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا لِبَيَانِ رُجْحَانِ الْقَوْلِ بِالتَّحْلِيلِ، وَأَنَّهُ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ، فَأَمَّا أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَوْ نَحْوَهَا مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ، يَجُوزُ لِمَنْ تَمَسَّكَ فِيهَا بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى الْآخَرِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَدَلِيلٍ، فَهَذَا خِلَافُ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَدْ تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ فِي جُبْنِ الْمَجُوسِ وَالْمُشْرِكِينَ، وَلَيْسَ لِمَنْ رَجَّحَ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى صَاحِبِ الْقَوْلِ الْآخَرِ إلَّا بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَكَذَلِكَ تَنَازَعُوا فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ، وَفِي ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ إذَا سَمَّوْا عَلَيْهَا غَيْرَ اللَّهِ، وَفِي شَحْمِ الثَّرْبِ، وَالْكُلْيَتَيْنِ، وَذَبْحِهِمْ لِذَوَاتِ الظُّفُرِ كَالْإِبِلِ وَالْبَطِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَتَنَازَعُوا فِي ذَبْحِ الْكِتَابِيِّ لِلضَّحَايَا

اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 174
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست