responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 170
تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ، وَطَائِفَةٍ يُقَرُّونَ وَتُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ، تَفْرِيقٌ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّابِتَةِ عَنْهُ.
وَقَدْ عُلِمَ بِالنَّقْلِ الصَّحِيحِ الْمُسْتَفِيضِ، أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ كَانَ فِيهِمْ يَهُودٌ كَثِيرٌ مِنْ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ وَحِمْيَرَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْعَرَبِ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ: «إنَّك تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ» ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا وَعَدْلَهُ مَعَافِرَ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَنْ دَخَلَ أَبُوهُ قَبْلَ النَّسْخِ أَوْ بَعْدَهُ وَكَذَلِكَ وَفْدُ نَجْرَانَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ النَّصَارَى الَّذِينَ كَانَ فِيهِمْ عَرَبٌ كَثِيرُونَ أَقَرَّهُمْ بِالْجِزْيَةِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ لَمْ يُفَرِّقْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ، وَأَصْحَابِهِ بَيْنَ بَعْضِهِمْ وَبَعْضٍ، بَلْ قَبِلُوا مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ، وَأَبَاحُوا ذَبَائِحَهُمْ، وَنِسَاءَهُمْ، وَكَذَلِكَ نَصَارَى الرُّومِ وَغَيْرِهِمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ صِنْفٍ وَصِنْفٍ، وَمَنْ تَدَبَّرَ السِّيرَةَ النَّبَوِيَّةَ عَلِمَ كُلَّ هَذَا بِالضَّرُورَةِ، وَعَلِمَ أَنَّ التَّفْرِيقَ قَوْلٌ مُحْدَثٌ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ كَوْنَ الرَّجُلِ مُسْلِمًا أَوْ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ أَسْمَاءِ الدِّينِ هُوَ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِهِ لَا بِاعْتِقَادِهِ وَإِرَادَتِهِ وَقَوْلِهِ وَعَمَلِهِ، لَا يَلْحَقُهُ هَذَا الِاسْمُ بِمُجَرَّدِ اتِّصَافِ آبَائِهِ بِذَلِكَ، لَكِنَّ الصَّغِيرَ حُكْمُهُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا حُكْمُ أَبَوَيْهِ، لِكَوْنِهِ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ، فَإِذَا بَلَغَ وَتَكَلَّمَ بِالْإِسْلَامِ أَوْ بِالْكُفْرِ كَانَ حُكْمُهُ مُعْتَبَرًا بِنَفْسِهِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَوْ كَانَ أَبَوَاهُ يَهُودًا أَوْ نَصَارَى، فَأَسْلَمَ كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ فَكَفَرَ كَانَ كَافِرًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَفَرَ بِرِدَّةٍ لَمْ يُقَرَّ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُرْتَدًّا لِأَجْلِ آبَائِهِ.
وَكُلُّ حُكْمٍ عُلِّقَ بِأَسْمَاءِ الدِّينِ مِنْ إسْلَامٍ وَإِيمَانٍ، وَكُفْرٍ وَنِفَاقٍ، وَرِدَّةٍ وَتَهَوُّدٍ، وَتَنَصُّرٍ إنَّمَا يَثْبُتُ لِمَنْ اتَّصَفَ بِالصِّفَاتِ الْمُوجِبَةِ لِذَلِكَ، وَكَوْنُ الرَّجُلِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَوْ أَهْلِ الْكِتَابِ هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَمَنْ كَانَ بِنَفْسِهِ مُشْرِكًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ أَهْلِ الشِّرْكِ وَإِنْ كَانَ أَبَوَاهُ غَيْرَ مُشْرِكَيْنِ، وَمَنْ كَانَ أَبَوَاهُ مُشْرِكَيْنِ وَهُوَ مُسْلِمٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ لَا حُكْمُ الْمُشْرِكِينَ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا وَآبَاؤُهُ مُشْرِكِينَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. أَمَّا إذَا تَعَلَّقَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُشْرِكِينَ مَعَ كَوْنِهِ

اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 170
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست