responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 132
، وَهَذَا اسْتِفْهَامُ إنْكَارٍ مُتَضَمِّنٌ لِلنَّفْيِ، أَيْ لَا أَحَدَ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، فَإِنَّ كَوْنَهَا رَمِيمًا يَمْنَعُ عِنْدَهُ إحْيَاءَهَا لِمَصِيرِهَا إلَى حَالِ الْيُبْسِ وَالْبُرُودَةِ الْمُنَافِيَةِ لِلْحَيَاةِ الَّتِي مَبْنَاهَا عَلَى الْحَرَارَةِ وَالرُّطُوبَةِ، وَلِتَفَرُّقِ أَجْزَائِهَا وَاخْتِلَاطِهَا بِغَيْرِهَا وَلِنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الشُّبُهَاتِ. وَالتَّقْدِيرُ: هَذِهِ الْعِظَامُ رَمِيمٌ، وَلَا أَحَدَ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، فَلَا أَحَدَ يُحْيِيهَا، وَلَكِنَّ هَذِهِ السَّالِبَةَ كَاذِبَةٌ وَمَضْمُونَهَا امْتِنَاعُ الْإِحْيَاءِ، وَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ إمْكَانَهُ مِنْ وُجُوهٍ بِبَيَانِ إمْكَانِ مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ وَقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: {يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: 79] وَقَدْ أَنْشَأَهَا مِنْ التُّرَابِ، ثُمَّ قَالَ: {وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: 79] ؛ لِيُبَيِّنَ عِلْمَهُ بِمَا تَفَرَّقَ مِنْ الْأَجْزَاءِ وَاسْتَحَالَ. ثُمَّ قَالَ: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا} [يس: 80] ، فَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْرَجَ النَّارَ الْحَارَّةَ الْيَابِسَةَ مِنْ الْبَارِدِ الرَّطْبِ، وَذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْمُنَافَاةِ؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ الْحَرَارَةِ وَالرُّطُوبَةِ أَيْسَرُ مِنْ اجْتِمَاعِ الْحَرَارَةِ وَالْيُبُوسَةِ، فَالرُّطُوبَةُ تَقْبَلُ مِنْ الِانْفِعَالِ مَا لَا تَقْبَلُهُ الْيُبُوسَةُ، ثُمَّ قَالَ: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [يس: 81] ، وَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ مَعْلُومَةٌ بِالْبَدِيهَةِ، وَلِهَذَا جَاءَ فِيهَا بِاسْتِفْهَامِ التَّقْرِيرِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَقِرٌّ مَعْلُومٌ عِنْدَ الْمُخَاطَبِ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: 33] .
ثُمَّ بَيَّنَ قُدْرَتَهُ الْعَامَّةَ، بِقَوْلِهِ: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82] . وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْقُرْآنِ مِنْ الْأَسْرَارِ، وَبَيَانِ الْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ عَلَى الْمَطَالِبِ الدِّينِيَّةِ مَا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُهُ، وَإِنَّمَا الْغَرَضُ التَّنْبِيهُ. وَكَذَلِكَ مَا اسْتَعْمَلَهُ سُبْحَانَهُ فِي تَنْزِيهِهِ وَتَقْدِيسِهِ عَمَّا أَضَافُوهُ إلَيْهِ مِنْ الْوِلَادَةِ

اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 132
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست