responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 123
قَالَ: «سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ. خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُك وَأَنَا عَلَى عَهْدِك وَوَعْدِك مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَك بِنِعْمَتِك عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ» . فَفِي قَوْلِهِ: «أَبُوءُ لَك بِنِعْمَتِك عَلَيَّ» . اعْتِرَافٌ بِنِعْمَتِهِ عَلَيْهِ فِي الْحَسَنَاتِ وَغَيْرِهَا. وَقَوْلُهُ: «وَأَبُوءُ بِذَنْبِي» ، اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ مُذْنِبٌ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَهَذَا يُصَيِّرُ الْعَبْدَ شَكُورًا لِرَبِّهِ مُسْتَغْفِرًا لِذَنْبِهِ، فَيَسْتَوْجِبُ مَزِيدَ الْخَيْرِ، وَغُفْرَانَ الشَّرِّ، مِنْ الشَّكُورِ الْغَفُورِ الَّذِي يَشْكُرُ الْيَسِيرَ مِنْ الْعَمَلِ وَيَغْفِرُ الْكَثِيرَ مِنْ الزَّلَلِ.

وَهُنَا انْقَسَمَ النَّاسُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ فِي إضَافَةِ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ الَّتِي هِيَ الطَّاعَاتُ وَالْمَعَاصِي إلَى رَبِّهِمْ وَإِلَى نُفُوسِهِمْ، فَشَرُّهُمْ الَّذِي إذَا أَسَاءَ أَضَافَ ذَلِكَ إلَى الْقَدَرِ، وَاعْتَذَرَ بِأَنَّ الْقَدَرَ سَبَقَ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا خُرُوجَ لَهُ عَنْ الْقَدَرِ، فَرَكِبَ الْحُجَّةَ عَلَى رَبِّهِ فِي ظُلْمِهِ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ أَحْسَنَ أَضَافَ ذَلِكَ إلَى نَفْسِهِ وَنَسِيَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي تَيْسِيرِهِ لِلْيُسْرَى، وَهَذَا لَيْسَ مَذْهَبَ طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَلَكِنَّهُ حَالُ شِرَارِ الْجَاهِلِينَ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ لَا حَفِظُوا حُدُودَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَلَا شَهِدُوا حَقِيقَةَ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، كَمَا قَالَ فِيهِمْ الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ: أَنْتَ عِنْدَ الطَّاعَةِ قَدَرِيٌّ، وَعِنْدَ الْمَعْصِيَةِ جَبْرِيٌّ أَيُّ مَذْهَبٍ وَافَقَ هَوَاك تَمَذْهَبْتَ بِهِ.

وَخَيْرُ الْأَقْسَامِ وَهُوَ الْقِسْمُ الْمَشْرُوعُ وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ أَنَّهُ إذَا أَحْسَنَ شَكَرَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَحَمِدَهُ إذَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِأَنْ جَعَلَهُ مُحْسِنًا، وَلَمْ يَجْعَلْهُ مُسِيئًا فَإِنَّهُ فَقِيرٌ مُحْتَاجٌ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَجَمِيعُ حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ إلَى رَبِّهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِهِ، فَلَوْ لَمْ يَهْدِهِ لَمْ يَهْتَدِ، كَمَا قَالَ أَهْلُ الْجَنَّةِ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف: 43] . وَإِذَا أَسَاءَ اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ وَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَتَابَ مِنْهُ، وَكَانَ كَأَبِيهِ آدَمَ الَّذِي قَالَ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23] ، وَلَمْ يَكُنْ كَإِبْلِيسِ الَّذِي قَالَ: {بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 39] {إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر: 40]

اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 123
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست