responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 116
وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى دَلَّ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر: 45] ، {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ} [النحل: 61] ، {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] .
فَصْلٌ: وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: «يَا عِبَادِي إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي» ، فَإِنَّهُ هُوَ بَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ فِيمَا يَحْسُنُ بِهِ إلَيْهِمْ مِنْ إجَابَةِ الدَّعَوَاتِ، وَغُفْرَانِ الزَّلَّاتِ، بِالْمُسْتَعِيضِ بِذَلِكَ مِنْهُمْ جَلْبَ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفْعَ مَضَرَّةٍ، كَمَا هِيَ عَادَةُ الْمَخْلُوقِ الَّذِي يُعْطِي غَيْرَهُ نَفْعًا لِيُكَافِئَهُ عَلَيْهِ بِنَفْعٍ، أَوْ يَدْفَعُ عَنْهُ ضَرَرًا لِيَنْفِيَ بِذَلِكَ ضَرَرَهُ، فَقَالَ: «إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي» . فَلَسْت إذًا أَجُسُّكُمْ بِهِدَايَةِ الْمُسْتَهْدِي وَكِفَايَةِ الْمُسْتَكْفِي الْمُسْتَطْعِمِ وَالْمُسْتَكْسِي، بِاَلَّذِي أَطْلُبُ أَنْ تَنْفَعُونِي، وَلَا أَنَا إذَا غَفَرْت خَطَايَاكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَتَّقِي بِذَلِكَ أَنْ تَضُرُّونِي، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، إذْ هُمْ عَاجِزُونَ عَنْ ذَلِكَ، بَلْ مَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْفِعْلِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ إلَّا بِتَقْدِيرِهِ وَتَدْبِيرِهِ، فَكَيْفَ بِمَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ بِالْغَنِيِّ الصَّمَدِ الَّذِي يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَحِقَّ مِنْ غَيْرِهِ نَفْعًا أَوْ ضَرًّا.
وَهَذَا الْكَلَامُ كَمَا بَيَّنَ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ بِهِمْ مِنْ جَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَبْلُغُوا أَنْ يَفْعَلُوا بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ أَنَّ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ مِنْ الطَّاعَاتِ، وَمَا يَنْهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ السَّيِّئَاتِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ اسْتِجْلَابَ نَفْعِهِمْ، كَمَا أَمَرَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ أَوْ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَالْأَمِيرِ لِرَعِيَّتِهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَلَا دَفْعَ مَضَرَّتِهِمْ، كَنَهْيِ هَؤُلَاءِ أَوْ غَيْرِهِمْ لِبَعْضِ النَّاسِ عَنْ مَضَرَّتِهِمْ، فَإِنَّ الْمَخْلُوقِينَ يَبْلُغُ بَعْضُهُمْ نَفْعَ بَعْضٍ، وَمَضَرَّةَ بَعْضٍ، وَكَانُوا فِي أَمْرِهِمْ وَنَهْيِهِمْ قَدْ يَكُونُونَ كَذَلِكَ، وَالْخَالِقُ سُبْحَانَهُ مُقَدَّسٌ عَنْ ذَلِكَ. فَبَيَّنَ تَنْزِيهَهُ عَنْ لُحُوقِ نَفْعِهِمْ وَضَرِّهِمْ فِي إحْسَانِهِ إلَيْهِمْ بِمَا يَكُونُ مِنْ أَفْعَالِهِ بِهِمْ وَأَوَامِرِهِ لَهُمْ، قَالَ قَتَادَةُ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ الْعِبَادَ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِمْ، وَلَا نَهَاهُمْ

اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 116
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست