responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 114
وَأَمَّا الذُّنُوبُ الَّتِي يُطْلِقُ الْفُقَهَاءُ فِيهَا نَفْيَ قَبُولِ التَّوْبَةِ، مِثْلُ قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ: لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ وَهُوَ الْمُنَافِقُ. وَقَوْلُهُمْ: إذَا تَابَ الْمُحَارِبُ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ تَسْقُطُ عَنْهُ حُدُودُ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرِهِمْ فِي سَائِرِ الْجَرَائِمِ، كَمَا هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ.
وَقَوْلُهُمْ فِي هَؤُلَاءِ إذَا تَابُوا بَعْدَ الرَّفْعِ إلَى الْإِمَامِ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُمْ، فَهَذَا إنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ رَفْعَ الْعُقُوبَةِ الْمَشْرُوعَةِ عَنْهُمْ، أَيْ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ بِحَيْثُ يُخَلَّى بِلَا عُقُوبَةٍ، بَلْ يُعَاقَبُ، إمَّا لِأَنَّ تَوْبَتَهُ غَيْرُ مَعْلُومَةِ الصِّحَّةِ، بَلْ يُظَنُّ بِهِ الْكَذِبُ فِيهَا، وَإِمَّا لِأَنَّ رَفْعَ الْعُقُوبَةِ بِذَلِكَ يُفْضِي إلَى انْتِهَاكِ الْمَحَارِمِ وَسَدِّ بَابِ الْعُقُوبَةِ عَلَى الْجَرَائِمِ، وَلَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَابَ مِنْ هَؤُلَاءِ تَوْبَةً صَحِيحَةً فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ تَوْبَتَهُ فِي الْبَاطِنِ، إذْ لَيْسَ هَذَا قَوْلَ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ. بَلْ هَذِهِ التَّوْبَةُ لَا تَمْنَعُ إلَّا إذَا عَايَنَ أَمْرَ الْآخِرَةِ.
كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 17] {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} [النساء: 18] الْآيَةَ. قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: سَأَلْت أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا لِي: " كُلُّ مَنْ عَصَى اللَّهَ فَهُوَ جَاهِلٌ، وَكُلُّ مَنْ تَابَ قَبْلَ الْمَوْتِ فَقَدْ تَابَ مِنْ قَرِيبٍ ". وَأَمَّا مَنْ تَابَ عِنْدَ مُعَايَنَةِ الْمَوْتِ، فَهَذَا كَفِرْعَوْنَ الَّذِي قَالَ: أَنَا اللَّهُ، فَلَمَّا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ اللَّهُ: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 91] .
وَهَذَا اسْتِفْهَامُ إنْكَارٍ، بَيَّنَ بِهِ أَنَّ هَذِهِ التَّوْبَةَ لَيْسَتْ هِيَ التَّوْبَةُ الْمَقْبُولَةُ الْمَأْمُورُ بِهَا، فَإِنَّ اسْتِفْهَامَ الْإِنْكَارِ إمَّا بِمَعْنَى النَّفْيِ إذَا قَابَلَ الْإِخْبَارَ، وَإِمَّا بِمَعْنَى الذَّمِّ وَالنَّهْيِ إذَا قَابَلَ الْإِنْشَاءَ، وَهَذَا مِنْ هَذَا، وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [غافر: 83] {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ - فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} [غافر: 84 - 85] ، الْآيَةَ. بَيَّنَ أَنَّ التَّوْبَةَ بَعْدَ

اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 114
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست