responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحفة العراقية المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 70
تَابع لمحبته وَفرع عَلَيْهِ فَمن لَا يحب الشَّيْء لَا يُمكن أَن يحب التَّقَرُّب إِلَيْهِ إِذْ التَّقَرُّب وَسِيلَة ومحبة الْوَسِيلَة تبع لمحبة الْمَقْصُود فَيمْتَنع أَن تكون الْوَسِيلَة إِلَى الشَّيْء المحبوب هِيَ المحبوب دون الشَّيْء الْمَقْصُود بالوسيلة وَكَذَلِكَ الْعِبَادَة وَالطَّاعَة إِذا قيل فِي المطاع المعبود إِن هَذَا يحب طَاعَته وعبادته فَإِن محبَّة ذَلِك تبع لمحبته وَإِلَّا فَمن لَا يُحِبهُ لَا يحب طَاعَته وعبادته وَمن كَانَ لَا يعْمل لغيره إِلَّا لعوض يَنَالهُ مِنْهُ أَو لدفع عُقُوبَة فَإِنَّهُ يكون مُعَارضا لَهُ أَو مفتديا مِنْهُ لَا يكون محبا لَهُ وَلَا يُقَال إِن هَذَا يُحِبهُ ويفسر ذَلِك بمحبة طَاعَته وعبادته فَإِن محبَّة الْمَقْصُود وَإِن استلزمت محبَّة الْوَسِيلَة أَو غير محبَّة الْوَسِيلَة فَإِن ذَلِك يَقْتَضِي أَن يعبر بلفظين محبَّة الْعِوَض والسلامة عَن محبَّة الْعَمَل أما محبَّة الله فَلَا تعلق لَهَا بِمُجَرَّد محبَّة الْعِوَض أَلا ترى أَن من اسْتَأْجر أَجِيرا بعضو لَا يُقَال إِن الْأَجِير يُحِبهُ بِمُجَرَّد ذَلِك بل قد يسْتَأْجر الرجل من لَا يُحِبهُ بِحَال بل من يبغضه وَكَذَلِكَ من افتدى نَفسه بِعَمَل من عَذَاب معذب لَا يُقَال إِنَّه يُحِبهُ بل يكون مبغضا لَهُ فَعلم أَن مَا وصف الله بِهِ عباده الْمُؤمنِينَ من أَنهم يحبونه يمْتَنع أَن يكون مَعْنَاهُ مُجَرّد محبَّة الْعَمَل الَّذِي ينالون بِهِ بعض الْأَغْرَاض المحبوبة من غير أَن يكون رَبهم محبوبا أصلا وَأَيْضًا فَلفظ الْعِبَادَة مُتَضَمّن للمحبة مَعَ الذل كَمَا تقدم وَلِهَذَا كَانَت محبَّة الْقلب للبشر على طَبَقَات أَحدهَا العلاقة فَهُوَ تعلق الْقلب بالمحبوب ثمَّ الصبابة وَهُوَ انصباب الْقلب إِلَيْهِ ثمَّ الغرام وَهُوَ الْحبّ اللَّازِم ثمَّ الْعِشْق وَآخر الْمَرَاتِب هُوَ التتيم وَهُوَ التَّعَبُّد للمحبوب والمتيم المعبود وتيم الله عبد الله فَإِن الْمُحب يبْقى ذَاكِرًا معبدًا مذللا لمحبوبه وَأَيْضًا فاسم الانابة إِلَيْهِ يَقْتَضِي الْمحبَّة أَيْضا وَمَا أشبه ذَلِك من الْأَسْمَاء كَمَا تقدم وَأَيْضًا فَلَو كَانَ الَّذِي قَالُوهُ حَقًا من كَون ذَلِك مجَازًا لما فِيهِ من الْحَذف والاضمار فالمجاز لَا يُطلق إِلَّا بِقَرِينَة تبين المُرَاد وَمَعْلُوم أَن لَيْسَ فِي كتاب الله وَسنة رَسُوله مَا يَنْفِي أَن يكون الله محبوبا وَأَن لَا يكون المحبوب إِلَّا الْأَعْمَال لَا فِي الدّلَالَة الْمُتَّصِلَة وَلَا الْمُنْفَصِلَة بل وَلَا فِي الْعقل أَيْضا فَمن عَلَامَات الْمجَاز صِحَة إِطْلَاق نَفْيه فَيجب أَن يَصح إِطْلَاق القَوْل بَان الله لَا يحب وَلَا يحب كَمَا أطلق إمَامهمْ الْجَعْد بن دِرْهَم أَن الله لم يتَّخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا وَلم يكلم مُوسَى تكليما وَمَعْلُوم أَن هَذَا مُمْتَنع بِإِجْمَاع الْمُسلمين فَعلم دلَالَة الْإِجْمَاع على أَن هَذَا لَيْسَ مجَازًا بل هِيَ حَقِيقَة وَأَيْضًا فقد فرق بَين محبته ومحبة الْعَمَل لَهُ فِي قَوْله التَّوْبَة أحب إِلَيْكُم من الله وَرَسُوله وَجِهَاد فِي سَبيله كَمَا فرق بَين محبته ومحبة رَسُوله فِي قَوْله أحب إِلَيْكُم من الله وَرَسُوله فَلَو كَانَ المُرَاد بمحبته لَيْسَ إِلَّا محبَّة الْعَمَل لَكَانَ هَذَا تكريرا أَو من بَاب عطف الْخَاص

اسم الکتاب : التحفة العراقية المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 70
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست