responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك المؤلف : عليش، محمد بن أحمد    الجزء : 1  صفحة : 383
فَوَلَّى قَاضِيًا عَدْلًا فَأَحْكَامُهُ نَافِذَةٌ اهـ.
قُلْت: وَأَفْتَى شُيُوخُ الْأَنْدَلُسِ فِيمَنْ فِي وِلَايَةِ الْعَاصِي الْمَارِقِ عُمَرَ بْنِ حَفْصُونٍ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ وَلَا قَبُولُ خِطَابٍ وَاخْتُلِفَ فِي وِلَايَةِ وَقَبُولِ الْقَضَاءِ مِنْ الْأَمِيرِ غَيْرِ الْعَدْلِ فَفِي رِيَاضِ النُّفُوسِ فِي طَبَقَاتِ عُلَمَاءِ إفْرِيقِيَّةَ لِأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ الْمَالِكِيِّ قَالَ سَحْنُونٌ اخْتَلَفَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَرُّوخَ وَابْنُ غَانِمٍ قَاضِي إفْرِيقِيَّةَ وَهُمَا مِنْ رُوَاةِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَالَ ابْنُ فَرُّوخَ لَا يَنْبَغِي لِقَاضٍ إذَا وَلَّاهُ أَمِيرٌ غَيْرُ عَدْلٍ أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ وَقَالَ ابْنُ غَانِمٍ يَجُوزُ أَنْ يَلِيَ، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ غَيْرَ عَدْلٍ فَكَتَبَ بِهَا إلَى مَالِكٍ فَقَالَ مَالِكٌ أَصَابَ الْفَارِسِيُّ يَعْنِي ابْنَ فَرُّوخَ وَأَخْطَأَ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ عَرَبِيٌّ يَعْنِي ابْنَ غَانِمٍ اهـ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ يَجْعَلُوا قَبُولَ الْوِلَايَةِ لِلْمُتَغَلِّبِ الْمُخَالِفِ لِلْإِمَامِ جُرْحَةٌ لِخَوْفِ تَعْطِيلِ أَحْكَامٍ اهـ.
هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ مِنْ الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَأَمَّا الْأُخْرَوِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِمَنْ أَفْنَى شَيْبَهُ وَشَبَابَهُ فِي مُسَاكَنَتِهِمْ وَتُوَلِّيهِمْ، وَلَمْ يُهَاجِرْ، أَوْ هَاجَرَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى وَطَنِ الْكُفْرِ وَأَصَرَّ عَلَى ارْتِكَابِ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ الْكَبِيرَةِ إلَى حِينِ وَفَاتِهِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَجُمْهُورُ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُمْ مُعَاقَبُونَ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ، وَأَنَّهُمْ غَيْرُ مُخَلَّدِينَ فِي الْعَذَابِ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِمْ الْحَقُّ فِي انْقِطَاعِ عَذَابِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ وَتَخْلِيصِهِمْ بِشَفَاعَةِ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارِ حَسْبَمَا وَرَدَتْ بِهِ صِحَاحُ الْأَخْبَارِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] وقَوْله تَعَالَى {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} [الرعد: 6] إلَّا أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ» .
وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَمَنْ سَاكَنَهُمْ، أَوْ جَامَعَهُمْ فَهُوَ مِنْهُمْ شَدِيدٌ جِدًّا عَلَيْهِمْ» وَمَا ذَكَرْتُمْ عَنْ سَخِيفِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ مِنْ قَوْلِهِ إلَى هَاهُنَا يُهَاجِرُ فِي قَالِبِ الِازْدِرَاءِ وَالتَّهَكُّمِ، وَقَوْلُ السَّفِيهِ الْآخَرِ إنْ جَازَ صَاحِبُ فشتالة إلَى هَذِهِ النَّوَاحِي فَسِرْ إلَيْهِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ الْبَشِيعِ وَلَفْظِهِ الشَّنِيعِ لَا يَخْفَى عَلَى سِيَادَتِكُمْ مَا فِي كَلَامِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ السَّمَاجَةِ وَالتَّعْيِيرِ وَالْهُجْنَةِ وَسُوءِ النَّكِيرِ إذْ لَا يَتَفَوَّهُ بِذَلِكَ وَلَا يَسْتَبِيحُهُ إلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَفَقَدَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى حِسَّهُ وَرَامَ رَفْعَ مَا صَحَّ ذَمُّهُ بِذَلِكَ، وَلَمْ يُخَالِفْ أَحَدٌ فِي جَمِيعِ مَعْمُورِ الْأَرْضِ الْإِسْلَامِيَّةِ مِنْ مَطْلَعِ الشَّمْسِ إلَى مَغْرِبِهَا إلَّا لِأَغْرَاضٍ فَاسِدَةٍ فِي نَظَرِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي لَا وَهَنَ بِهَا وَلَا رَيْبَ فَلَا تَصْدُرُ هَذِهِ الْأَغْرَاضُ الْهَوْسِيَّةُ إلَّا مِنْ قَلْبٍ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ وَسُكْنَاهُ مِنْ الْأَوْطَانِ، وَمَنْ ارْتَبَكَ فِي هَذَا وَتَوَرَّطَ فِيهِ، فَقَدْ اسْتَعْجَلَ لِنَفْسِهِ الْخَبِيثَةِ الْخِزْيَ الْمَضْمُونَ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسَاوَى فِي الْعِصْيَانِ وَالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَالْمَقْتِ وَالسَّمَاجَةِ وَالْإِبْعَادِ وَالِاسْتِنْقَاصِ وَاسْتِحْقَاقِ الْمَلَامَةِ وَالْمَذَمَّةِ الْكُبْرَى التَّارِكِ لِلْهِجْرَةِ بِالْكُلِّيَّةِ بِمُوَالَاةِ الْأَعْدَاءِ وَالسُّكْنَى بَيْنَ أَظْهُرِ الْبُعَدَاءِ؛ لِأَنَّ غَايَةَ الْحَاصِلِ مِنْ هَذَيْنِ الْخَبِيثَيْنِ عَزْمٌ، وَهُوَ التَّصْمِيمُ وَتَوْطِينُ النَّفْسِ عَلَى الْفِعْلِ وَهُمَا لَمْ يَفْعَلَا.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ الْأَشَاعِرَةُ فِي الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ فَنَقَلَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ كَثِيرٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِهِ وَاحْتَجَّ لَهُ بِحَدِيثٍ «إذَا اصْطَفَّ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ إنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ فَأَثِمُوا بِالْحِرْصِ» ، فَأُجِيبُ بِأَنَّ اللِّقَاءَ وَإِشْهَارَهُ السِّلَاحَ فِعْلٌ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحِرْصِ وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ يَقُولُ: الْقَاضِي قَالَ عَامَّةُ السَّلَفِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمُحَدِّثِينَ لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ بِعَمَلِ الْقَلْبِ وَحَمَلُوا الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى الْهَمِّ قِيلَ لِلثَّوْرِيِّ أَنُؤَاخَذُ بِالْهِمَّةِ قَالَ إذَا كَانَتْ عَزْمًا قَالُوا: إنَّمَا يُؤَاخَذُ بِسَيِّئَةِ الْعَزْمِ؛ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ كَسَيِّئَةِ الْمَعْزُومِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُفْعَلْ، فَإِنْ فُعِلَتْ كُتِبَتْ سَيِّئَةً ثَانِيَةً، وَإِنْ كُفَّ عَنْهَا كُتِبَتْ حَسَنَةً لِحَدِيثِ «إنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّائِي» وَقَالَ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ تَظَاهَرَتْ النُّصُوصُ بِالْمُؤَاخَذَةِ بِالْعَزْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى

اسم الکتاب : فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك المؤلف : عليش، محمد بن أحمد    الجزء : 1  صفحة : 383
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست