responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتاوى واستشارات الإسلام اليوم المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 482
منزلة أئمة النقد
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل في مصطلح الحديث والجرح والتعديل
التاريخ 2/7/1424هـ
السؤال
عندي سؤال يختص بكتب الرجال، كيف نعلم أن مؤلفي تلك الكتب لم يكذبوا فيما ذكروه عن الرواة فينسبون الكذب إلى الصادق؟ كيف نتيقن من عدالة الذين يقومون بالجرح والتعديل؟ في إمكان الشيعي أن يزعم أن علماءنا كذابون وأن الراوي المجروح في كتبهم صادق في واقع الأمر، كيف نرد عليهم؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
أقول وبالله التوفيق:
إن هذا المشكك الذي أشار إليه السائل ينحو منحى الشكاك الذين لا يرون شيئاً من الأدلة قائماً بشيء من الاستدلال، الذين إذا أطردوا في منهجهم هذا آل بهم الأمر إلى الشك في الموجودات والمحسات كلها، وقد وصل الأمر ببعضهم إلى ذلك فعلاً، قديماً وحديثاً.
فما الفرق بين هذا التشكيك وتشكيك من يقول: إن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لم يكن من جلة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن يزعم أنه قد اختلق له ما يدل على ذلك ... بإمكان كل أحد أن يفترض هذه الافتراضات التي لا ترجع إلى عقل ولا تعرف البراهين؛ وإلا: فهل يحتاج النهار إلى دليل.
لقد كان أئمة الجرح والتعديل يعيشون بين الناس، ويعاشرونهم، ولم يكونوا محجوبين في سراديب. فعرفهم الناس كما يعرفون الناس، بل كما يعرفون رؤوس الناس، فقد كانوا أئمة ينظر إليهم، ويقتدى بهم، ويحتكم إليهم، ويتناقل الناس أخبارهم، ويروون أقوالهم، ويستشهدون بآرائهم. ثم هم مع ذلك تصدوا للكلام في رواة السنة جرحاً وتعديلاً، وهو تصدٍ صعب، وتصدر له تبعاته وأخطاره، وأنظار الناس وألسنتهم لمن تصدى له متوجهة، خاصة من تكلم فيه وجرح، أو من يمت له بصلة قرابة أو تمذهب أو أي صلة تدعو للانتصار له. ثم يموت هؤلاء العلماء الذين جرحوا وعدلوا، وتبقى أقوالهم على تعاقب الأجيال وتقلب الأحوال، ومع ذلك كله فلم يستطع أحد ممن في عصرهم (أو بعدهم) أن يتهمهم في عدالتهم ودينهم، كما يريد هذا المشكك أن يتهمهم به، مع كل دواعي اشتهار ذلك عنهم لو كان فيهم شيء من ذلك، وحاشاهم منه!!
لقد استفاضت عدالة أولئك العلماء وتواترت أخبار ديانتهم وعظيم ورعهم في زمنهم وبعد زمنهم. والتواتر من أقوى الأدلة، كما تواتر الناس على وجود الصين، فنحن نصدق بها وإن لم نرها. وهذا أمر متفق عليه جميع العقلاء، ولم يخالف فيه إلا قوم من المرضى بداء الشك. ثم قد قامت أدلة أخرى كثيرة لا يمكن أن تحصى على تمام ورعهم وعلى صدقهم في تحري الحق، دون محاباة لأحد، أو اعتداء على أحد. حيث منهم من جرح أباه، ومنهم من جرح ابنه، وصديقه، وقريبه. وفي المقابل: أثنوا على من يستحق الثناء عليه ممن يخالفهم في المذهب، وأثنوا عليهم بما فيهم من الخير، مع تنبيههم على خطئهم أو بدعتهم. وأقوالهم في ذلك شهيرة كثيرة، ليست تحتاج إلى ضرب أمثلة. وإنما على المشكك أن يرجع إلى أقوالهم، إن كان قصده معرفة الحق بدليله.
ولكن لا بأس بأن أضرب مثالاً واحداً، فهذا الإمام ابن خزيمة يقول عن عباد بن يعقوب الرواجني، وهو من علماء الشيعة وغلاة الرافضة: "حدثني الصدوق في حديثه المتهم في دينه"!! هذا مثال واحد من ألوف الأمثلة عن صدق وورع أئمة الجرح والتعديل، وعلى كمال إنصافهم حتى لمن خالفهم. وأخيراً أقول: إن مآل كلام هذا المشكك التشكيك في دين الإسلام كله؛ لأن السنة - وهي بيان القرآن ووحي الله معه - إنما عرفناها من طريق هؤلاء العلماء، فالطعن فيهم طعن في القرآن والسنة!!
وعليه فإن كان هذا المشكك بلغ به الأمر إلى حد الشك في أصل الدين، فيتبدأ معه من أولى الخطوات:
فأولاً: نثبت له نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - من خلال دلائل نبوته في القرآن والسنة وغيرهما.
إذا أقر بذلك تبين له أن هذا يلزمه بتصديق أن القرآن كلام الله تعالى، منزل من ربنا عز وجل إلى رسولنا - صلى الله عليه وسلم-.
فإذا أقر بذلك، بينَّا له أن ذلك يلزمه باعتقاد حفظ السنة، من جهتين: وهي أن القرآن قد وعد الله فيه بحفظه "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، وحفظ القرآن لا يتم إلا بحفظ السنة، لأن السنة هي المفسرة للقرآن، حيث إن بيان القرآن إحدى أعظم وظائف النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما قال تعالى: "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم".
والجهة الثانية: أن القرآن أمر في آيات كثيرات بطاعة النبي - صلى الله عليه وسلم- وبالتحذير من مخالفته، وحث على أن نتخذه قدوة وأسوة، وهذه الأوامر ستكون تكليفاً بمالا يستطاع فيما لو ضاعت السنة، ولا يصح شرعاً وعقلاً أن يكلف الله نفساً إلا وسعها؛ فدل ذلك على أن السنة محفوظة ولابد.
فإذا أقر بوجوب حفظ السنة، سألناه هل بلغتنا السنة إلا بجهود هؤلاء العلماء؟! وهل عرفنا صحيحها من سقيمها إلا من خلال علمهم وأحكامهم؟!
فلو كان أولئك العلماء على ما ادعى ذلك المشكك لزم ضياع السنة، وهذا ما فرغنا من كونه مستحيلاً آنفاً. فلم يبق أن أولئك العلماء على ضد ما ادعاه ذلك المشكك، وأنهم حفظوا السنة، وميزوا بين صحيحها وسقيمها، وفرقوا بين مقبول رواتها ومردودهم.
إذن خرجنا أن أولئك العلماء لا يجوز فيهم أن يكونوا كما ادعاه ذلك المشكك شرعاً وعقلاً.
والمجال يتسع فيه المقال، لكن الوقت أثمن من أن نمضيه في الرد على كلام من لا يرجع إلى دليل، ولا يعرف صحة برهان.
والله الهادي إلى سواء السبيل.
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه والله أعلم.

اسم الکتاب : فتاوى واستشارات الإسلام اليوم المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 482
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست