responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتاوى واستشارات الإسلام اليوم المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 421
أحاديث شهر رجب
المجيب محمد بن ناصر السلمي
القاضي في وزارة العدل
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/تصحيح الأحاديث والآثار وتضعيفها
التاريخ 06/07/1426هـ
السؤال
حفظكم الله يا شيخ: أود معرفة صحة هذه الأحاديث الأربعة، وحبذا يا شيخنا إعطائي مصدر تضعيفها؛ لكي يتسنى لي البحث في الأحاديث الموضوعة والضعيفة في شهر رجب.
الأحاديث هي كالتالي:
(1) رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي.
(2) عن علي- رضي الله عنه-: من صام يوماً من رجب كتب الله له صوم ألف سنة، ومن صام منه سبعة أيام أغلقت عنه أبواب جهنم، ومن صام منه خمسة عشر يوماً بدلت سيئاته حسنات، ونادى مناد من السماء: قد غفر لك فاستأنف العمل.
(3) إن في الجنة نهراً يقال له رجب. من صام يوماً من رجب سقاه الله من ذلك النهر.
(4) من صام ثلاثة أيام من شهر حرام كتب الله له عبادة تسعمائة سنة.
وجزاكم الله كل خير يا شيخنا على كل ما بذلتم وماتبذلون.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم -وفقني الله وإياك- أنه لما كثر اختلاف الناس في هذا الشهر المسمى برجب، وقلَّ العارف به المتكلم فيه بما وجب، حتى قال بعضهم في نهاره بفضيلة صيامه، ونزع بعضهم في ليله إلى الاعتناء بقيامه، وجعله من لا يدري مفضلاً على الشهور، وزاده فضيلة على الأربعة الحرام في المذكور، ولما كثر الخلط في ذلك بين العوام، ولم يكن من الخواص من يعرف ما فيه من الكلام، تعيَّن على أهل العلم [1] بيان الحق في هذا الشهر المذكور.
فأقول: إن هَدْي النبي - صلى الله عليه وسلم- في الشهور محفوظ منقول، حفظه عنه أصحابه الكرام - رضي الله عنهم- في أحاديث صحيحة كثيرة، جاءت في الصحاح، والسنن، والمسانيد....إلخ.
ولم يكن له في ذلك هدي خاص في رجب، ولو كان له فيه هدي لنقله إلينا أصحابه - رضي الله عنهم- كما نقلوه في أشهر أخرى. لكن الوضاعين من الوعَّاظ، والقصَّاص أبوا إلا أن يلصقوا بالسنة ما ليس منها، فألصقوا فيها من الأحاديث الدالة على فضيلة شهر رجب، وفضيلة الصلاة فيه والصيام، وما علموا أن لهذا الفن فرسانه فذبوا عن حياض السنة وحاموا عن حماها، ولكن العجب كل العجب ممن شم رائحة العلم بالسنن أن يغتر بمثل هذه الأحاديث، فيرويها ويعمل بمقتضاها، وما علم أن هذه الأحاديث باطلة منكرة، وأن كل حديث في صوم رجب، وصلاة بعض الليالي فيه كذب مفترى، كما ذكر ذلك غير واحد من أهل العلم.
قال ابن رجب - رحمه الله- في اللطائف ([1]/194) : (لم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به، والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب كذب وباطل لا تصح، وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء، وممن ذكر ذلك من أعيان العلماء المتأخرين من الحفاظ أبو إسماعيل الأنصاري، وأبو بكر السمعاني وأبو الفضل بن ناصر، وأبو الفرج ابن الجوزي.
ولم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ولا عن أصحابه - رضي الله عنهم-) ا. هـ.
وقال الإمام أبو العباس ابن تيمية (25/29) : (وأما صوم رجب بخصوصه فأحاديثه كلها ضعيفة بل موضوعة، لا يعتمد أهل العلم على شيء منها، وليست من الضعيف الذي يروى في الفضائل، بل عامتها من الموضوعات المكذوبات) . ا. هـ.
وقال ابن القيم في المنار المنيف (96) : (وكل حديث في ذكر صوم رجب وصلاة بعض الليالي فيه فهو كذب مفتري) . ثم ساق - رحمه الله- بعض الأحاديث في ذلك.
وقال ابن حجر في تبيين العجب (23) : (لم يرد في فضل شهر رجب -ولا في صيامه، ولا صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه- حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ) .
وقال في موطن آخر (33) : (الأحاديث الواردة في فضل رجب أو فضل صيامه أو صيام شيء منه صريحة، فهي على قسمين ضعيفة وموضوعة) .
وقال: (وورد في فضل رجب من الأحاديث الباطلة أحاديث لا بأس بالتنبيه عليها لئلا يغتر بها) ا. هـ (ص40) .
وممن ذكر أنه لا يصح في الباب شيء: الإمام ابن دحية الكلبي، وأبو الفضل بن ناصر وغيرهم كثير، والأحاديث التي جاء السؤال عنها: كحديث:
(1) "رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي"، فقد جاء من حديث أبي سعيد الخدري، وأنس بن مالك - رضي الله عنهما- فأما حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: فأخرجه ابن الجوزي في الموضوعات (2/576) ، وابن عراق في التنزيه (2/151) من طريق محمد بن الحسن النقاش: حدثنا أبو عمرو أحمد بن العباس الطبري: حدثنا الكسائي: حدثنا أبو معاوية: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن أبي سعيد به، وذكر حديثاً طويلاً في فضل صيام رجب.
قال ابن الجوزي: (هذا حديث موضوع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- والكسائي لا يعرف والنقاش متَّهم) .
وقال ابن حجر في تبيين العجب (23) : ولهو سند مركب… والعهدة في هذا الإسناد على النقاش، والنقاش هذا هو مؤلف كتاب "شفاء الصدور" وقد ملأ أكثره بالكذب والزور.
قال الخطيب الحافظ أبو بكر بن ثابت البغدادي في تاريخه (2/602) : بل هو شقاء الصدور. ثم ذكر كلام الناس في النقاش واتهامهم له بالوضع، ومن ذلك ما قال الخطيب فيه: من أن أحاديثه مناكير بأسانيد مشهورة، وقال طلحة بن محمد بن جعفر الحافظ: كان النقاش يكذب في الحديث والغالب عليه القصص.
وقال البرقاني: كل حديثه منكر. والكسائي هذا غير معروف قال الحافظ في تبيين العجب: (لا يدرى من هو، وليس هو علي بن حمزة المقدسي، فإنه أقدم من هذه الطبقة بكثير) .
وله طريق آخر: أخرجه السهمي في تاريخ جرجان (225) ، فقال: حدثنا أبو علي الحسن بن أحمد بن يحيى الثقفي: حدثنا محمد بن إبراهيم المقري: حدثنا أبو عبد الله سختويه بن الجنيد: حدثنا عبيد الله بن موسى: حدثنا عثمان بن الأسود، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- به.
وهو حديث مسلسل بالمجاهيل والضعفاء. وللحديث طرق أخرى واهية ذكرها ابن حجر في تبيين العجب.
وأما حديث أنس، فأخرجه ابن الجوزي في الموضوعات (2/436) ، وأبو شامة المقدسي في الباعث على إنكار البدع والحوادث، والكناني في فضل رجب، وابن عراق في تنزيه الشريعة، من طريق عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن منده، عن أبي الحسين علي بن عبد الله بن جهضم، عن علي بن محمد بن سعيد البصري، عن أبيه، عن خلف بن عبد الله -وهو الصغاني - عن حميد الطويل عن أنس به، وفيه ذكر صلاة الرغائب.
قال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقد اتهموا به ابن جهضم ونسبوه إلى الكذب، وسمعت شيخنا عبد الوهاب الحافظ يقول: رجاله مجهولون، وقد فتشت عليهم جميع الكتب، فما وجدتهم، زاد الذهبي بل لعلهم لم يخلقوا.
قلت: ابن جهضم هذا متهم بوضع الحديث، قاله الذهبي في الميزان (3/142) ، وقد استوفى الحافظ اللكنوي في (الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة) الكلام على هذا الحديث فعد إليه.
وله طريق آخر أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (7/396) من طريق نوح بن أبي مريم عن زيد العمي عن يزيد الرقاشي عن أنس به.
قال البيهقي: (هذا إسناد منكر) . وهو حديث مسلسل بالضعفاء والمتروكين.
(2) وحديث علي - رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "إن شهر رجب شهر عظيم من صام فيه يوماً كتب الله له صوم ألف سنة" ... الحديث. أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات (2/578) ، وابن شاهين في الترغيب والترهيب، من طريق إسحاق بن إبراهيم الختلي قال: حدثنا الحسين بن علي بن يزيد الصدائي: حدثنا أبي: حدثنا هارون بن عنترة عن أبيه عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- به.
قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم-.
قلت: هذا الحديث مسلسل بالمجاهيل الضعفاء والمتروكين. فإسحاق بن إبراهيم الختلي ضعيف الحديث. الميزان ([1]/180) ، وعلى بن يزيد الصدائي قال عنه الذهبي: تالف. وهارون بن عنترة قال عنه ابن حبان: منكر الحديث جداً يروي المناكير الكثيرة، حتى يسبق إلى قلب المستمع لها أنه المتعمد لذلك من كثرة ما يروي مما لا أصل له، ولا يجوز الاحتجاج به بحال. وقد ذكر هذا الخبر ابن حجر في تبيين العجب، واتهم به إسحاق بن إبراهيم الختلي، وقال السيوطي في اللآلي: (لا يصح، وهارون بن عنترة يروي المناكير) . وعده الشوكاني في الفوائد المجموعة من المنكرات.
(3) وحديث: "إن في الجنة نهراً يقال له رجب، من صام يوماً من رجب سقاه الله من ذلك النهر" أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (8300) ، وابن شاهين في الترغيب والترهيب، ومن طريقه الخلال في فضل رجب (ق: 103/أ) ، والديلمي ([1]/2/281) ، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/555) ، والأصبهاني في الترغيب والترهيب (1847) ، والذهبي في الميزان (4/189) ، من طريق منصور بن يزيد الأسدي عن موسى بن عمران عن أنس بن مالك - رضي الله عنه- به.
قال ابن الجوزي: لا يصح وفيه مجاهيل لا ندري من هم. وقال الذهبي: ومنصور لا يعرف والخبر باطل، وقد أورده الألباني - رحمه الله- في الضعيفة رقم (1898) ، وقال: (حديث باطل) .
(4) وحديث: "من صام ثلاثة أيام من شهر حرام كتب الله له عبادة تسعمائة سنة".
أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (1789) ، والبيهقي في فضائل الأوقات (308) ، والخطيب في الموضح ([1]/118) ، وابن عساكر في تاريخه (19/116) ، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/554) من حديث أنس -رضي الله عنه- بلفظ: "من صام ثلاثة أيام من شهر حرام: الخميس والجمعة والسبت؛ كتب له عبادة تسعمائة عام".
وعندالطبراني بلفظ: "عبادة سنتين". وروي بألفاظ أخر.
وفي إسناده مسلمة بن راشد، قال أبو حاتم: مضطرب الحديث. وقال الأزدي: لا يحتج به. وأورده الألباني في الضعيفة (4611) . والله أعلم.

[1] مقدمة كتاب (أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب) لابن دحية الكلبي.
اسم الکتاب : فتاوى واستشارات الإسلام اليوم المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 421
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست