responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتاوى واستشارات الإسلام اليوم المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 349
أول تسمية القرآن بالمصحف
المجيب د. عبد الرحمن بن معاضة الشهري
المشرف العام على شبكة التفسير والدراسات القرآنية
القرآن الكريم وعلومه/مسائل متفرقة
التاريخ 25/02/1426هـ
السؤال
هل صحيح أن الصديق -رضي الله عنه- هو من أطلق اسم المصحف على القرآن الكريم؟ وهل هذا يعني أن كلمة المصحف لم تكن في قاموس العرب قبل ذلك؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الزركشي في كتابه البرهان في علوم القرآن (1/377) : (ذكر المظفري في تاريخه: لَمَّا جَمعَ أبو بكر القرآنَ قال: سَمُّوهُ. فقال بعضُهم: سَمُّوهُ إِنْجيلاً. فَكرهوه. وقال بعضُهم: سَمُّوهُ السِّفْرَ. فكرهوه مِن يهود. فقال ابنُ مَسعودٍ: رأيتُ للحَبَشَةِ كِتَاباً يدعونهُ المُصْحَفَ، فسمُّوهُ بهِ) .
فهذه الرواية إن صحت تدل على أن صاحب الرأي بتسمية المصحف بهذا الاسم هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقد وافقه الصحابة واستمر إلى اليوم. وكلام ابن مسعود يدل على أن التسمية حبشية الأصل، غير أني لم أجد من ذكر كلمة مصحف في كتب (المُعَرَّب) في اللغة مثل الجواليقي والمُحبي وغيرهم، وذلك لأن أصل الكلمة وهي مادة (صحف) عربية معروفة.
أَمَّا كلمةُ صُحُفٍ وصَحيفة فهي معروفة عند العرب بِمَعنى الشيء الذي يكتب فيه من الورق ونحوه، ومن ذلك قول لقيط بن يعمر الإيادي وهو شاعر جاهلي مات قبل الإسلام، وقد بعث بهذه الأبيات لتحذير قومه قبيلة إياد العربية غَزوَ الفُرس:

سَلامٌ في الصحيفةِ من لَقيطٍ *** إلى من في الجزيرةِ من إيادِ

وأَمَّا المُصْحَفُ فهو الجامعُ للصُحُفِ المكتوبةِ بين الدفتين. وقد ذكره اللغويون في معاجمهم، كالخليل بن أحمد في العين، فقد ذكر المصحف فقال: (سُمِّيَ المُصْحَفُ مُصْحَفاً لأنَّه أُصْحِفَ، أي جُعِلَ جامعاً للصُحُف المكتوبة بين الدَّفَّتَيْن) .
ومن ذلك قول الجوهري في مادة (صحف) : (والمُصْحَفُ والمِصْحَفُ. قال الفراء: وقد استثقلت العربُ الضَمَّةَ في حروفٍ فكسروا ميمها وأصلها الضمُّ، من ذلك مِصْحَفٌ، ومِخْدَعٌ، ومِطْرَفٌ، ومِغْزَلٌ، ومِجْسَدٌ: لأنَّها في المعنى مأخوذة من أُصْحِفَ أن جمعت فيه الصحفُ، وأُطْرِفَ أي جُعِلَ في طرفيْهِ عَلَمان، وأُجْسِدَ أُلْصِقَ بالجسد) . وقال الصاغاني في كتابه العباب الزاخر: (والمَصْحَفُ والمِصْحَفُ والمُصْحَفُ -بالحركات الثلاث- عن ثعلب قال: والفتح لغة صحيحة فصيحة) .
ولم تكن العربُ تعرفُ لفظةَ المُصحفِ بِمعنى الكتابِ الذي يَجمعُ بين دفتيه صُحُفاً مكتوبةً، وإِنَّما هو اسمٌ أطلقَ على القرآن الكريِم بعدَ جَمعهِ بين الدفتين في عهد أبي بكر الصديق، وأَصبحَ عَلَمَاً على القرآن الكريم. فيقال: قرأتُ المُصحفَ، ويُجمعُ على مَصَاحِف. وقد تكون التسمية هذه نسبت لأبي بكر باعتبار حصولها في زمنه رضي الله عنه، كما سمي المصحف الذي جمع في عهد عثمان بالمصحف العثماني وإن لم يكن هو الذي كتبه بيده رضي الله عنه. وقد بحثت في الكتب المصنفة في الأوائل مثل كتاب العسكري ومعجم الأوائل لفؤاد السيد، فلم أجد من أشار إلى أول من سَمَّى المصحفَ بهذا الاسم، فلعله مِمَّا فاتهم، أو أنَّهم لم يجدوا نصاً صحيحاً في ذلك.
وقد بدأ الشعراء يستخدمونه في شعرهم على قلة في ذلك العهد ثم كثر بعد ذلك في شعر شعراء بني أمية وبني العباس.
ومن ذلك قول الحصين بن حمام الفزاري المريّ الذبياني، وهو شاعر مخضرم أدرك الجاهلية، وقال يوم صفين:

فَما بَرِحوا حَتّى رَأى اللَهُ صَبرَهُم *** وَحَتّى أَشَرَّت بِالأَكُفِّ المَصاحِفُ

يعني رفع المصاحف على أسنة الرماح في القصة المشهورة، وقال العجاج التميمي وهو شاعر مخضرم وذكر المصحف:
وَذِروَةَ الناسِ وَأَهلَ الحُكَّمِ *** وَمُستَقَرَّ المُصحَفِ المُرَقَّمِ

عِندَ كَريمٍ مِنهُمُ مُكَرَّمِ

وأما في عصر بني أمية فمن ذلك قول العرجي الأموي:

لَهُ مَعَ النَعتِ الَّذي *** أَنعَتُ لَونٌ مُشرَبُ

كَوَرَقِ المَصحَفِ قَد *** أُجرى عَلَيهِ الذَهَبُ

وقال أعشى همدان الأموي:

وَإِنّي اِمرُؤٌ أَحبَبتُ آلَ مُحَمَّد *** وآثَرتُ وَحياً ضُمِّنَتهُ المَصاحِفُ

وقال الطرماح بن حكيم من شعراء الخوارج وهو أموي العصر:

وَلَكِن أَحِن يَومي شَهيداً وَعُقبَة *** يُصابونَ في فَجٍّ مِنَ الأَرضِ خائِفِ

إِذا فارَقوا دُنياهُمُ فارَقوا الأَذى *** وَصاروا إِلى مَوعودِ ما في المَصاحِفِ

وقال الفرزدق:

سَمَوتَ فَلَم تَترُك عَلى الأَرضِ ناكِثا *** وَآمَنتَ مِن أَحيائِنا كُلَّ خائِفِ

أَبَرتَ زُحوفَ المُلحِدينَ وَكِدتَهُم *** بِمُستَنصِرٍ يَتلو كِتابَ المَصاحِفِ

وقال الفرزدق أيضاً:
هُوَ المانِعُ الجيرانِ وَالمُعجِلُ القِرى *** وَيَحفَظُ لِلإِسلامِ ما في المَصاحِفِ

وأما في العصر العباسي فقد كثر ذكره المصحف في أشعار الشعراء، ومن ذلك قول أبي تمام:

بِأَكُفِّ أَبدالٍ إِذا أَمّوا بِها *** مَلمومَةً عَمِلوا بِما في المُصحَفِ

وقال ابن المعتز:

وَيَثقُبُ الجِلدَ وَراءَ المُطرَفِ *** حَتّى تَرى فيهِ كَشَكلِ المِصحَفِ

وقال البحتري:

أَنزَلتَ بِالإِنجيلِ ثُمَّ بِأَهلِهِ *** ذُلّاً أَراهُم عِزَّ أَهلِ المُصحَفِ

وهذا يؤكد إن شاء الله أن لفظة المصحف لفظة استحدثت في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه سُمِّي بها القرآن الكريم بعد جَمعه بين الدفتين، وأصبحت عَلَمَاً عليه.
والله أعلم.

اسم الکتاب : فتاوى واستشارات الإسلام اليوم المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 349
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست