اسم الکتاب : فتاوى واستشارات الإسلام اليوم المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 227
المذكور ثانياً أشد حقارة من الأول.. والشيء كلما كان أصغر كان الاطلاع على أسراره أصعب، فإذا كان في نهاية الصغر لم يحط به إلا علم الله تعالى، فكان التمثيل به أقوى في الدلالة على كمال الحكمة من التمثيل بالشيء الكبير.. وإذا قيل هذا فوق ذلك في الصغر وجب أن يكون أكثر صغراً منه) , وقال الماوردي: (فما فوقها) في الصغر لأن الغرض المقصود هو الصغر. وقال الألوسي: (والزيادة في المعنى الذي وقع التمثيل فيه هو الصغر والحقارة، فهو تنزل من الحقير للأحقر.. (خاصة أن الفاء للدلالة على ترتب ما بعدها على ما يشير إليه ما قبلها) . وقال الطاهر بن عاشور: (ولفظ (فوق) يستعمل في معنى التغلب والزيادة في صفة.. ولذلك كان لاختياره في هذه الآية - دون لفظ (أقل) ودون لفظ (أقوى) مثلاً - موقع من بليغ الإعجاز، والفاء عاطفة ما فوقها على بعوضة أفادت تشريكهما في ضرب المثل بهما.. (أي في الحكم مع بيان التدرج في الرتب) , وقال السعدي: (المعنى الذي ضربت فيه مثلاً هو القلة والحقارة.. ولا يقال كيف يضرب المثل بما دون البعوضة وهي النهاية في الصغر؟ , لأن التعقيب على الآية: {فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم} , وهذا يجعلهم: يتفكرون فيها، فإن علموا ما اشتملت عليه على وجه التفصيل ازداد بذلك علمهم وإيمانهم وإلا علموا أنها حق وما اشتملت عليه حق، وإن خفي عليهم وجه الحق فيها لعلمهم بأن الله لم يضربها عبثاً بل لحكمة بالغة) , ويقرر صاحب تفسير مراح لبيد أن نبأ ما دون البعوضة: (لا يسوغ إنكاره لأنه ليس عبثاً بل هو مشتمل على أسرار) , وهكذا يشير القرآن الكريم إلى ما دون البعوضة من كائنات، ويدفع الاستهانة بها قبل اكتشاف الكائنات الحية المجهرية، وقدرتها على إصابة الإنسان وغيره من الكائنات الأكبر منها حجماً بالأمراض المهلكة. ولا يعدل القرآن في حديثه عن الحق، ولا يخالف في بيانه الواقع, فيعبر بالجمع عند الحديث عن "الذباب" و"الفراش" و"الجراد"
اسم الکتاب : فتاوى واستشارات الإسلام اليوم المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 227