اسم الکتاب : فتاوى دار الإفتاء المصرية المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 75
صلاة العيد فى قاعات اللهو
F جاد الحق على جاد الحق.
شعبان 1400 هجرية - 22 يونية 1980 م
M 1 - صلاة العيد سنة فى الصحراء عند أبى حنيفة وأحمد بن حنبل ومندوبة عند المالكية.
وعند الشافعية فى المسجد أفضل لشرفه إلا لعذر كضيقه.
2 - من السنة خروج النساء والأطفال لشهود صلاة العيد ولو لم يشتركوا فيها.
3 - الأماكن المعدة أصلا للرقص وشرب الخمر منهى عن الصلاة فيها.
لما اقترن بالمكان من ملابسات توهن خشوع المصلى.
ولأنها أماكن يأوى إليها الشيطان ويصد فيها عن ذكر الله وعن الصلاة.
4 - تنظيف هذه الأماكن وكنسها يزيل عنها النجاسة الحسية لا المعنوية.
5 - الصلاة فى هذه الأماكن لا تدخل فى باب الضرورات
Q من مدير المجلس الإسلامى فى كندا - أوتاوا بكتابة المرسل وقد جاء به إنه منذ سنوات قليلة أدخل بعض المسلمون تقليدا جديدا على صلاة العيد فى هذه القارة.
ذلك أنهم يهجرون المساجد يوم العيد لضيق المكان ويستأجرون قاعة أقيمت للهو المحرم تجمعهم فى صلاة واحدة، ويستندون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلى العيد خارج المدينة فى الفلاة إلا لعذر.
بناء على هذا نرجو إجابتكم على ما يلى أولا: هل من شروط صلاة العيد أن يصلى الناس فى مكان واحد ووقت واحد بصرف النظر عن نوعية المكان.
ثانيا: هل تجوز الصلاة فى قاعة أقيمت للرقص شبه العارى وحفلات الخمر بالرغم من وجود مسجد فى المدينة.
ثالثا: هل تنظيف هذه الأماكن يزيل عنها النجاستين الحسية والمعنوية.
رابعا: إن جازت الصلاة فيها، فهل ذلك يعنى: أن الضرورات تبيح المحظورات.
خامسا: وإن جازت فأيهما أفضل ثوابا الصلاة دفعة واحدة، أم الصلاة فى المسجد على دفعتين
An إن السنة النبوية الشريفة جرت بأن يصلى الناس العيد فى المصلى فى الصحراء على مشارف المدينة ومن هنا قال الإمامان أبو حنيفة وأحمد ابن حنبل بأن الصلاة العيد فى الصحراء سنة، وقال الإمام مالك إنها مندوبة.
وفى فقه الإمام الشافعى أن صلاة العيد بالمسجد أفضل لشرفة إلا لعذر كضيقه عن استيعاب الناس ووقوع الزحام، وعندئذ يسن الخروج لصلاة العيد فى الصحراء.
وجرت السنة كذلك بأن يخرج لشهود صلاة العيد النساء والأطفال ولو لم يشتركوا فيها إظهارا لكرامة هذا اليوم، باعتبار عيدا يعقب أداء فريضة الصوم أو فريضة الحج.
وفى شأن مكان الصلاة، هل تجوز فى قاعة مقامة للرقص وغيره من المنكرات المحرمة فى الإسلام.
نعرض ما جاء فى الكتاب المهذب للشيرازى وشرحه المجموع للإمام النووى وهما من أئمة فقه مذهب الإمام الشافعى (ج 3 ص 161 وما بعدها المطبوع مع كتاب فتح العزيز شرح الوجيز للرافعى) .
يكره أن يصلى فى مأوى الشيطان.
كما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال (اخرجوا من هذا الوادى فإن فيه شيطانا) فلم يصلى فيه، فالصلاة فى مأوى الشيطان مكروهة بالاتفاق، وذلك مثل مواضع الخمر والحانات ونحوها من المعاصي الفاحشة.
ثم قال النووى: فإن صلى فى شىء من ذلك ولم يماس نجاسة بيده ولا ثوبه صحت صلاته مع الكراهة، وهذا الحديث المذكور صحيح عن أبى هريرة رضى الله عنه قال (عرسنا مع النبى صلى الله عليه وسلم فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: ليأخذ كل رجل برأس راحلته فإن هذا موضع حضرنا فيه الشيطان) .
رواه مسلم وغيره.
وإذا كان ذلك كانت الصلاة فى المكان المعد للرقص والخمر والصخب مكروهة ولكنها جائزة إذا طهر المكان عن ذات النجاسات لتحقيق شرط المكان وهو طهارته عن النجس.
هذا وقد نص فقهاء مذهب الإمام أبى حنيفة على أن الصلاة مكروهة بحضرة كل ما يشغل البال كالزينة ونحوها، أو يحل بالخشوع كاللهو واللعب.
ونص فقهاء مذهب الإمام الشافعى - كما تقدم - على كراهة الصلاة فى مجال المعاصى.
ونص فقهاء مذهب الإمام أحمد بن حنبل على أن الصلاة مكروهة إلى مجلس يتحدث فيه الناس، أو إلى ما يشغل المصلى كحائط منقوش.
ومن هذا نستبين - على وجه الإجمال - أن الصلاة مكروهة فى مكان يذهب بالخشوع فيها، وأن تنظيف صالة الرقص والخمور من النجاسة الحسية لا يطهرها من النجاسة المعنوية اللصيقة بها، والتى عبر عنها الفقهاء ووصفوها بأنها مأوى الشيطان، إذ فيها تتوارد الخواطر الأثيمة على المصلى فتشغله عن الخشوع والطمأنينة فى صلاته فتصبح مجرد حركات وأفعال لا روح فيها.
وإذا كان من واجبات المسلمين اتباع السنة فإنه إذا لم يتيسر لهم صلاة العيد فى الصحراء كان عليهم صلاتها فى مساجدهم، كما نص على ذلك فقهاء الشافعى، لأن المسجد أشرف مكان للصلاة.
لكن لا تجوز صلاة العيد على دفعتين فى مسجد واحد، وإنما تجوز فى مسجدين أو فى عدة مساجد فى وقت واحد كالشأن فى صلاة الجمعة يجوز أداؤها فى أكثر من مسجد ولا تتكرر فى مسجد واحد.
لما كان ذلك: كان إجماع الإجابة على تلك الأسئلة كما يلى: أولا: إن السنة الشريفة تقضى بأن يجتمع المسلمون فى أقرب فضاء كالصحراء على مشارف المدن أو القرى لصلاة العيد، لأن هذه الصلاة لا يجوز تكرارها فى مكان واحد وإن جاز تعددها فى عدة مساجد كالشأن فى صلاة الجمعة.
ثانيا: إن النهى عن الصلاة فى الأماكن المعدة أصلا للرقص وشرب الخمر إنما هو لما اقترن بالمكان من ملابسات توهن خشوع المصلى وتطوف به فيما دار فى هذا الموضع من أمور ينكرها الإسلام.
فهى أماكن كما وصفها الفقهاء أخذا من الحديث الشريف - يأوى إليها الشيطان ويصد فيها عن ذكر الله وعن الصلاة {ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين} الزخرف 62، وهذا على مثال النهى عن أداء الصلاة فى الدار المغصوبة، فإنه ليس لعدم جواز الصلاة فيها ووقوعها باطلة، وإنما النهى عن هذا لما اقترن بها من الغصب.
ومن ثم فإذا تعذرت صلاة العيدين فى الصحراء كما هى السنة، أو فى حديقة مثلا تتسع لجميع المسلمين فى هذه الصلاة التى لا تتكرر فى العام الواحد كان أداؤها فى المسجد أحق وأولى، وإن ضاق المسجد اقتصر الحضور فيه على المصلين فقط دون النساء والأطفال، وإن تعددت المساجد فى المدينة صلى المسلمون صلاة العيد فيها فى وقت واحد ثم يتجمعون للتحية والتهانى بالعيد فى المكان الذى يختارونه فى غير منكر يقترفونه.
ثالثا: إن تنظيف تلك القاعة وكنسها يزيل عنها النجاسة الحسية التى قد تكون عالقة بأرضها أو بجدرانها، ولكنه يطهرها من النجاسة المعنوية التى هى رجس الشيطان، والتى يستفاد لزومها إياها من وصف الفقهاء، بأن أماكن المعاصى مأوى الشيطان وحكموا بكراهة الصلاة فيها.
رابعا: الصلاة فى هذه القاعة لا تدخل فى باب الضرورات لوجود المساجد.
وأداء صلاة العيد فى المسجد عند تعذر إقامتها فى الصحراء أو الفضاء أحق وأولى وأفضل ثوابا عند الله، لأن المسجد الذى أسس على التقوى ولذكر الله لا يسكنه الشيطان ولا يأوى إليه، لكن لا يجوز أداء صلاة العيد فى مسجد واحد على دفعتين كالشأن فى صلاة الجمعة وإن جاز تعدد أدائها فى وقت واحد فى عدة مساجد.
وبعد فإن على الجماعات الإسلامية فى كندا وفى غيرها من شتى أنحاء أرض الله أن تحافظ على وحدة الصف بين المسلمين، وأن تيسر أداء شعائر الإسلام فى طهر ويسر متمسكة بمبادئ الإسلام وهدايته، ملتزمة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحديد عنها ولا تبغى بها بديلا.
وأن على هذه الجماعات تعويد نساء المسلمين وأولادهم مراعاة آداب الصلاة.
فإذا حضرن إلى المساجد فليكن ذلك فى وقار وملابس ساترة لا تكشف ولا تحدد، وليكن معلوما أن النساء مؤخرات فى الصلاة، فلا يقفن مع الرجال فى صف واحد ولا يتقدمن عليهم، بل يتأخرن عنهم، ولا ينبغى أن تكون صلاة العيد واجتماع المسلمين فيها تسلية لغير المسلمين لأنه وإن كان دخول غير المسلمين المساجد والمسجد الحرام موضع نقاش وخلاف بين الفقهاء.
فقال أهل المدينة (مذهب مالك) يمنع المشركون من دخول سائر المساجد، وقال الشافعى إنهم يمنعون من دخول المسجد الحرام ولا يمنعون من دخول غيره.
وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يمنع اليهود والنصارى من دخول المسجد ولا غيره.
ولعل استقبال الرسول صلى الله عليه وسلم لنصارى بنى نجران فى المسجد يؤيد القائلين بجواز دخول غير المسلمين المساجد، ومما يؤكد هذا أيضا ما ثبت من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربط ثمامة فى المسجد وهو مشرك، وقد قيل إن هذا كان لينظر ثمامة حسن صلاة المسلمين واجتماعهم عليها وحسن آدابهم فى جلوسهم فى المسجد، فيستأنس بذلك ويسلم وهذا ما كان من ثمامة فعلا.
وحبذا لو أحسن المسلمون تنظيم جموعهم فى صلاة العيد كما يتطلب ذلك الإسلام من المسلمين ليكون شهود الغير لهم مدعاة لدخولهم فى الإسلام كما كان من ثمامة رضى الله عنه.
وانصح الأخر صاحب الرسالة بأن يتسع صدره ويجتهد فى بيان حجته وفى النصح والإرشاد.
إذ ينبغى لنا أن نترفع عن الاختلاف والشقاق، وأن نبتغى الهدى فى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فقد قال (تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما - كتاب الله وسنتى) هدانا الله وإياكم التمسك بحبله المتين ودينه القويم.
وأداء شعائره كما أمرنا بها.
والله سبحانه وتعالى أعلم
اسم الکتاب : فتاوى دار الإفتاء المصرية المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 75