responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 75
بِمَا فِيهِ خَاصَّةً دُونَ مَا مِنْهُ؛ لَمْ يَكُنْ كَقَوْلِنَا " الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نِعَمِهِ " وَقَوْلِنَا " الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ " يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُرَادَ الشُّكْرُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَأَنْ يُحْمَدَ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ السَّرَّاءَ تُوجِبُ الشُّكْرَ، وَالضَّرَّاءَ تُوجِبُ الصَّبْرَ الْمُوجِبَ لِلثَّوَابِ الْمُوجِبِ لِلشُّكْرِ، فَهِيَ نِعْمَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ.
فَالْأَحْوَالُ كُلُّهَا نِعَمٌ، فَيَصِيرُ مِثْلَ قَوْلِهِ " الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نِعَمِهِ " فَيَكُونُ مَجَازًا فِي الشُّكْرِ وَالثَّانِي أَنْ يُرَادَ الثَّنَاءُ عَلَى صِفَاتِ كَمَالِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَإِنْ حَصَلَ مِنْهُ ضَرَّاءُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ اسْتِحْقَاقِهِ الثَّنَاءَ عَلَى صِفَاتِ كَمَالِهِ، فَيَكُونُ اللَّفْظُ حَقِيقَةً وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ أَنْقَصُ مِنْ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَأَمْكَنُ فِي الْمَعْنَى.
(الْوَجْهُ الْخَامِسُ) قَوْلُهُ (عِلْمًا) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِتَنْكِيرِهِ تَعْظِيمَهُ أَيْ عِلْمًا أَيَّ عِلْمٍ، وَيَكُونُ تَفْضِيلُهُمَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْعِبَادِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ الْعِلْمِ وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْآيَةِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ اسْتَعْمَلَ الْعِلْمَ لِلْأَعَمِّ فِيمَا هُوَ أَخُصُّ مِنْهُ، فَيَعُودُ الْكَلَامُ فِي أَنَّهُ مَجَازٌ أَوْ حَقِيقَةٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ مَوْضُوعُهُ الْأَصْلِيُّ وَحُذِفَتْ صِفَتُهُ أَيْ عِلْمًا عَظِيمًا، فَيَكُونُ الْعِلْمُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضُوعِهِ حَقِيقَةً، وَلَكِنْ مَعَهُ حَذْفٌ وَفِي التَّرْجِيحِ بَيْنَ هَذَا الْوَجْهِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ الْخِلَافُ الْمَعْرُوفُ فِي التَّرْجِيحِ بَيْنَ الْمَجَازِ وَالْإِضْمَارِ؛ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ مَعْنَى التَّفْضِيلِ لَا يَخْتَلِفُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ مُطْلَقُ الْعِلْمِ فَلَا مَجَازَ وَلَا إضْمَارَ بَيْنَهُمَا، عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ الْعِلْمِ مُسْتَوْجِبٌ لَأَنْ يُقَالَ فِيهِ ذَلِكَ حَقِيقٌ بِأَنْ يُوصَفَ بِهِ خَوَاصُّ الْعِبَادِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ؛ فَيَكُونُ بِالْعِلْمِ الْخَاصِّ الْعَظِيمِ الَّذِي حَصَلَ لَهُمْ. وَهَذَا الْوَجْهُ أَبْلُغُ فِي بَيَانِ شَرَفِ الْعِلْمِ وَأَنَافَتِهِ عَلَى كُلِّ ذُرْوَةٍ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ مِنْ الْآيَةِ غَيْرَهُ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُثْنِي عَلَى الْكَامِلِ لِصِفَتِهِ الْخَاصَّةِ بِهِ لَا بِمَا يَشْتَرِكُ فِيهِ هُوَ وَغَيْرُ الْكَامِلِ. (الْوَجْهُ السَّادِسُ) قَوْلُهُ (عَلَى كَثِيرٍ) مُتَعَيَّنٍ هَاهُنَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ " عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ " لِأَنَّهُمَا مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ فَكَيْفَ يَفْضُلَانِ عَلَى مَنْ هُمَا مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا يَفْضُلَانِ عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا مِنْهُمْ.
فَإِنْ قُلْت فَقَدْ جَاءَ {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [الجاثية: 16] وَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْعَالَمِينَ قُلْت هَذَا مَعَهُ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى التَّخْصِيصِ، هِيَ " الْعَالَمِينَ " فَكَأَنَّهُ قَالَ فَضَّلْنَاهُمْ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ. وَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُمْ مُفَضَّلُونَ عَلَى كُلِّ الْعَالَمِينَ قَطْعًا، لِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ بِأَنَّهُمْ مِنْ الْعَالَمِينَ وَعَدَمِ إمْكَانِ تَفْضِيلِ الشَّخْصِ عَلَى مَنْ هُوَ مِنْهُمْ.
وَقَوْلُهُ {فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} [النمل: 15] لَوْ حَذَفَ لَفْظَ " كَثِيرٍ " صَارَ التَّفْضِيلُ عَلَى مَنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِالْإِيمَانِ فَيَبْقَى ظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّهُ الْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ، فَاجْتَنَبَ ذَلِكَ وَالْتَزَمَ إدْخَالَ لَفْظِ كَثِيرٍ هُنَا وَمَا أَشْبَهَهُ.
(الْوَجْهُ السَّابِعُ) وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ فِي الْآيَةِ

اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 75
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست