responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 69
الْمُسْتَقْبَلِ وَهُمَا نَبِيَّانِ مَعْصُومَانِ؛ فَحَسَنٌ مِنْهُمَا ذَلِكَ. وَالثَّانِي تَعْلَمُ أَنَّا مُتَعَاوِنَانِ مُتَعَاضِدَانِ وَأَنَّ الْأُخُوَّةَ الَّتِي بَيْنَنَا وَالتَّعَاضُدَ وَالتَّعَاوُنَ بِتَوْفِيقِك لَنَا. وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ يَكُونُ تَوَسُّلًا بِمَا عَلِمَ مِنْ حَالَيْهَا وَالثَّالِثُ تَعْلَمُ ذَوَاتِنَا وَصِفَاتِنَا فَلَا تَخْفَى عَلَيْك خَافِيَةٌ؛ فَأُمُورُنَا مُفَوَّضَةٌ إلَيْك وَنَحْنُ نَسْأَلُك ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ تَفْوِيضًا مِنْهُمَا وَ " بَصِير " فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَبْلُغُ مِنْ " عَلِيمٍ " لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْمُشَاهَدَةِ وَكَذَا اُسْتُعْمِلَ فِي قَوْلِ {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر: 44] وَمَعْنَاهُ مُشَاهِدٌ وَحَالِ غَيْرِي فَتَقِينِي مَكْرَهُمْ. وَانْظُرْ كَيْفَ أَتَى بِصِيغَةِ الْجَمْعِ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، فَهَاهُنَا قَالَ " بِالْعِبَادِ " وَفِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ قَالَ " بِنَا " وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا قَدَّمْنَا الْإِشَارَةَ إلَيْهِ مِنْ مَعْنَى التَّفَوُّضِ إلَيْهِ وَمَعْنَى الِاجْتِمَاعِ. وَلَمْ يَقُلْ بَصِيرٌ بِي وَذَلِكَ مِنْ كَمَالِ الْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَفْرَدَ لَرُبَّمَا كَانَ فِيهِ تَعْرِيضٌ بِكَمَالٍ مُوجِبٍ لِلْإِجَابَةِ. وَقَدَّمَ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى لِيَبْدَأَ بِمَحِلِّ السُّؤَالِ؛ وَهُوَ مُوسَى وَهَارُونُ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - الْمَدْلُولُ عَلَيْهِمَا بِالضَّمِيرِ، فَهُوَ خَاصٌّ فَلِذَلِكَ قَدَّمَ بَيَانًا لِلْمُرَادِ وَكَانَ تَقْدِيمُهُ هُنَاكَ لِلِاهْتِمَامِ، وَلَيْسَ مِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّ تَقْدِيمَ الْمَجْرُورِ لِلِاخْتِصَاصِ لِأَنَّهُ تَعَالَى بَصِيرٌ بِكُلِّ أَحَدٍ، وَأَخَّرَ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ.

[قَوْله تَعَالَى وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى]
(آيَةٌ أُخْرَى) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كُنْت أَتْلُو فِي سُورَةِ طَه {وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} [طه: 47] فَقَالَ لِي ابْنِي أَحْمَدُ لِمَ جَاءَ هَذَا فِي وَسَطِ الْكَلَامِ؛ وَفِي كِتَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى هِرَقْلَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ؟ وَالْجَوَابُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَالَ {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا} [طه: 44] فَهَذَا هُوَ أَوَّلُ مُخَاطَبَتِهِمَا لِفِرْعَوْنَ وَلَعَلَّهُمَا قَالَا فِيهَا سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى. أَوْ أَلْيَنُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ {عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} [طه: 47] مِنْهُمْ عَدَمُ السَّلَامِ عَلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى هِرَقْلَ بَعْدَ مُضِيِّ إحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً مِنْ نُبُوَّتِهِ يَعْلَمُ مِنْهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ مِثْلُ أَوَّلِ قُدُومِ مُوسَى وَهَارُونَ عَلَى فِرْعَوْنَ فَقَدْ لَا يَحْتَمِلُ مُفَاجَأَتَهُمَا بِذَلِكَ وَاكْتَفَى بِأَمْرِهِمَا بِالْقَوْلِ اللَّيِّنِ وَهُمَا يَعْلَمَانِ الْقَوْلَ اللَّيِّنَ، أَلَا تَرَى إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَيْفَ قَالَ لِأَبِيهِ {سَلامٌ عَلَيْكَ} [مريم: 47] لِحَقِّ الْأُبُوَّةِ، وَكَانَ لِفِرْعَوْنَ حَقُّ التَّرْبِيَةِ فَلَا يُسْتَبْعَدُ مِنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُلَاطِفَهُ؛ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ لِهِرَقْلَ وَلَا لِأَمْثَالِهِ عَلَيْهِ حَقٌّ، وَلَمَّا أَمَرَهُمَا اللَّهُ فِي الْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِالْمُلَايَنَةِ أَخَذَ فِي الْكَلَامِ الثَّانِي يُعَلِّمُهُمَا مَقْصُودَ الرِّسَالَةِ وَخَتَمَهُ بِقَوْلِهِ {وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} [طه: 47] فَجَاءَ بَعْدَ الْكَلَامِ الْمَقْصُودِ بِالرِّسَالَةِ لَمَّا أُمِرَا أَنْ يَقُولَا الْقَوْلَ اللَّيِّنَ وَفَرَغَا مِنْهُ قِيلَ لَهُمَا أَنْ يَقُولَا مَا هُوَ مَقْصُودُ الرِّسَالَةِ

اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 69
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست