responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 52
الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا لَمَّا كَانَتْ لِلَّهِ تَعَالَى مِلْكًا وَاسْتِحْقَاقًا وَخَلْقًا وَجَعَلُوا هُمْ لَهُ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا هُوَ إرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُ، ثُمَّ إنَّهُمْ إذَا صَارَ جَيِّدًا نَقَلُوهُ إلَى آلِهَتِهِمْ وَإِذَا صَارَ الَّذِي لِآلِهَتِهِمْ بِزَعْمِهِمْ رَدِيئًا نَقَلُوهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ، وَذَكَرَ سُبْحَانَهُ عَنْهُمْ هَذِهِ الْقَبَائِحَ فَكَانَ جَعْلُهُمْ ذَلِكَ قَبِيحًا وَقَوْلُهُمْ قَبِيحًا، فَتَوَسَّطَتْ النِّسْبَةُ إلَى زَعْمِهِمْ فِي وَسَطِ كَلَامِهِمْ لِيَعْطِفَ عَلَى أَوَّلِهِ آخِرَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى.

[قَوْله تَعَالَى يَسْأَلُك النَّاسُ عَنْ السَّاعَةِ قُلْ إنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ]
(آيَةٌ أُخْرَى) :
قَوْله تَعَالَى {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: 63] قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " قُلْ " أَكْثَرُ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ هَكَذَا بِغَيْرِ فَاءٍ، وَفِي طَه {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ} [طه: 105] عَلَى مَعْنَى: إنْ يَسْأَلُوك فَقُلْ، وَإِنَّمَا جَاءَ كَذَلِكَ لِأَنَّ قَبْلَهُ {مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا} [طه: 100] وَوَصَفَهُ وَهُوَ أَثَرٌ مُسْتَقْبَلٌ، فَلَمْ يَكُنْ السُّؤَالُ وَقَعَ. وَلَكِنْ جَرَى سَبَبُهُ. وَفِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ كَانَ السُّؤَالُ وَقَعَ انْتَهَى.

قَوْله تَعَالَى {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الأعراف: 189] قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا نَصُّهُ: الْفَرْقُ بَيْنَ " جَعَلَ " وَ " خَلَقَ " أَنَّ " جَعَلَ " تَتَعَدَّى لِمَفْعُولَيْنِ إذَا كَانَتْ بِمَعْنَى صَيَّرَ وَتَتَعَدَّى لِمَفْعُولٍ وَاحِدٍ إذَا كَانَتْ بِمَعْنَى خَلَقَ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ إنَّ " جَعَلَ " فِيهَا مَعْنَى التَّضْمِينِ وَفِي نُسْخَةٍ " التَّصْيِيرِ " تَقُولُ جَعَلَ كَذَا مِنْ كَذَا.
قَالَ تَعَالَى {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الأعراف: 189] قُلْت هَذَا مَعْنًى حَسَنٌ، وَأَزِيدُ فِي تَقْرِيرِهِ أَنَّ " جَعَلَ " يَنْفَكُّ عَنْهَا مَعْنَى التَّصْيِيرِ. وَلَكِنَّ النِّسْبَةَ مُخْتَلِفَةٌ، فَإِذَا قُلْت جَعَلْت الطِّينَ خَزَفًا فَمَعْنَاهُ صَيَّرْت الطِّينَ خَزَفًا فَأَرَدْت بَيَانَ حَالِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ إلَى الْمَنْقُولِ إلَيْهِ، وَإِذَا أَرَدْت إفَادَةَ الْحَالِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ تَقُولُ جَعَلْت الْخَزَفَ مِنْ الطِّينِ أَيْ صَيَّرْته مِنْهُ. فَالْأَوَّلُ يَتَعَدَّى إلَى الْمَفْعُولَيْنِ. وَالثَّانِي إلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَكِلَاهُمَا لَمْ يُفَارِقْ مَعْنَى التَّصْيِيرِ، وَنَظِيرُ هَذَا مَا قُلْته إنْ اخْتَصَرْت، تَقُولُ اخْتَصَرَ النَّوَوِيُّ الْمُحَرَّرَ فِي الْمِنْهَاجِ، وَتَقُولُ اخْتَصَرَ الْمِنْهَاجَ مِنْ الْمُحَرَّرِ. فَهَذِهِ فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ قَصُرَ كَلَامُ النُّحَاةِ عَنْهَا. وَلَمْ يُفْصِحْ بِهَا الزَّمَخْشَرِيُّ. وَإِنْ كَانَ نَبَّهَ عَلَى أَصْلِ الْمَعْنَى، وَيَجْتَمِعُ مَعَنَا ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ " الْجَعْلُ " وَقَدْ عُرِفَ مَعْنَاهُ وَ " الْخَلْقُ " وَهُوَ أَعَمُّ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ مَعَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ} [ص: 71] وَبِدُونِهِ كَقَوْلِهِ «أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ» وَ " الْإِبْدَاعُ " وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ

اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 52
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست