responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 388
وَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَالتَّسَحُّبُ الَّذِي صَدَرَ مِنْ هَذَا الْعَالِمِ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ مَا أَطْلَقَهُ لَهُ الْمَالِكُ مِنْ الْإِذْنِ فِي السَّفَرِ فَهَذَا غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَهُوَ سَبَبٌ لِضَمَانِ مَالِ الْقِرَاضِ بَلْ هَذَا أَوْلَى مِنْ السَّفَرِ إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ بِالتَّضْمِينِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُشْبِهُ تَجْهِيلَ الْأَمَانَةِ، وَتَجْهِيلُ الْأَمَانَةِ سَبَبٌ فِي الضَّمَانِ كَمَا قَالَ الْأَصْحَابُ: إنَّهُ لَوْ حَفَرَ فِي بَيْتِهِ وَدَفَنَ الْوَدِيعَةَ فِي مَكَان لَا يَعْلَمُ بِهِ غَيْرُهُ وَسَافَرَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ فَيَضِيعُ التَّسَحُّبُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ مَكَانُهُ فَلَا طَرِيقَ إلَى تَحْصِيلِ الْمَالِ مِنْ جِهَتِهِ وَلَا يُقَالُ: إنَّ سَبَبَ تَضْمِينِهِ بِتَرْكِهَا تَحْتَ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ الْأَصْحَابَ عَلَّلُوا بِتَوَقُّعِ الْمَوْتِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ مَا فِيهَا مِنْ الْخَطَرِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الْمَوْتِ فَصَارَ احْتِمَالُ الْمَوْتِ فِيهِ قَرِيبًا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ كَذَلِكَ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ التَّسَحُّبَ الْمَذْكُورَ مُضَمَّنٌ فَهُوَ كَالْمَيِّتِ بَلْ أَوْلَى لِكَوْنِهِ مُفَرِّطًا بِهِ، بَقِيَ عَلَيْنَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّ التَّضْمِينَ شَرْطُهُ وُجُودُ الْمَالِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَالُ تَلِفَ قَبْلَ تَسَحُّبِهِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَلَا يَكُونُ التَّسَحُّبُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ مُضَمَّنًا.
وَجَوَابُ هَذَا أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ تَلِفَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَلْتَفِتْ الشَّافِعِيُّ إلَى هَذَا بَلْ حَكَمَ بِالضَّمَانِ، فَإِنْ قِيلَ قَدْ يَرْجِعُ الْغَائِبُ وَيَدَّعِي التَّلَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ. قُلْت: إذَا رَجَعَ الْغَائِبُ بَعْدَ ذَلِكَ وَادَّعَى التَّلَفَ قَبْلَهُ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ بِأَنَّهُ صَارَ ضَامِنًا بِالتَّسَحُّبِ وَبَعْدَ الْحُكْمِ بِضَمَانِهِ يَصِيرُ غَاصِبًا، وَقَبُولُ قَوْلِهِ مَشْرُوطٌ بِبَقَاءِ أَمَانَتِهِ. هَذَا الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْفِقْهُ، وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا وَلَا يُقَالُ: إنَّ شَرْطَ تَضْمِينِهِ يُحَقِّقُ وُجُودَ الْمَالِ عِنْدَ التَّسَحُّبِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ بَقَاءَ الْمَالِ، وَالتَّسَحُّبُ مِنْ أَسْبَابِ الضَّمَانِ، وَقَدْ حَكَمَ بِتَضْمِينِهِ ظَاهِرًا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ عَزَلَ الْوَكِيلَ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ تَصَرَّفَ قَبْلَ الْعَزْلِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ قَطْعًا عَلَى أَصَحِّ الطُّرُقِ، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ فَذَلِكَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الْحُكْمِ الْآنَ وَإِبْقَائِهِ عَلَى حُجَّتِهِ كَمَا أَنَّهُ يُوفِي دَيْنَ الْغَائِبِ لِمَنْ يَثْبُتُ لَهُ، وَقَدْ يَجِيءُ الْغَائِبُ وَيُبَيِّنُ أَنَّهُ كَانَ أَبْرَأَهُ أَوْ أَقْبَضَهُ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ الْحُكْمِ وَوَفَاءِ الدَّيْنِ وَإِبْقَاءِ كُلِّ ذِي حُجَّةٍ عَلَى حُجَّتِهِ فَهَذَا مِثْلُهُ.
وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ يَظْهَرُ أَنَّ الْوَجْهَ الثَّالِثَ الَّذِي صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ لَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَتِنَا بَلْ يُقْطَعُ فِيهَا بِالضَّمَانِ، فَعَلَى رَأْيِ أَبِي إِسْحَاقَ يَتَقَدَّمُ مَالِكُ الْقِرَاضِ عَلَى الْمُدَايِنِينَ مِنْ الْجِمَالِ بِقَدْرِ الَّذِي لَهُ، وَالْبَاقِي لِلْمُدَايِنِينَ وَعَلَى النَّصِّ يَتَحَاصَصُ الْجَمِيعُ رَبُّ الْمَالِ وَالْمُدَايِنُونَ فِي الْجِمَالِ كُلِّهَا، وَكُنْت أَمِيلُ إلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ عَمَلًا بِاسْتِصْحَابِ الْأَمَانَةِ لَكِنْ ظَهَرَ لِي الْآنَ أَنَّ فِي تَمْشِيَتِهِ فِي الْقِرَاضِ إشْكَالًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قَدْ

اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 388
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست