responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 374
فَإِنْ قُلْت: قَالَ أَبُو سَعْدٍ الْهَرَوِيُّ: إنَّ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ لَا يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْمُقَرِّ بِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الظَّاهِرِ، وَذَلِكَ يُنَافِي مَا قَدَّمْت مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ بِمُوجَبِ الْإِقْرَارِ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ، وَصِحَّةِ الْمُقَرِّ بِهِ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ. قُلْت: إنَّمَا قَيَّدْت بِقَوْلِي فِي حَقِّ الْمُقِرِّ احْتِرَازًا مِنْ ذَلِكَ، وَقَوْلُ أَبِي سَعْدٍ مَحْمُولٌ عَلَى صِحَّةِ الْمُقَرِّ بِهِ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ فَيَتَضَمَّنُهَا، وَإِلَّا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ، وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْحَقَّ تَارَةً يَثْبُتُ بِإِقْرَارِ الْمُقِرِّ، وَتَارَةً يَثْبُتُ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ، وَتَارَةً بِالْبَيِّنَةِ، وَفِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ مَا يُصَحِّحُ وَصْفَ الْحَقِّ بِالثُّبُوتِ إذَا أُقِرَّ بِهِ، وَلَا نَقُولُ: إنَّ الثَّابِتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ هُوَ الْإِقْرَارُ فَقَطْ بَلْ الْإِقْرَارُ وَمَا أَوْجَبَهُ، نَعَمْ لَا نُطْلِقُ أَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ ثَابِتٌ، وَهُوَ كَوْنُهَا لِزَيْدٍ لَمْ تَثْبُتْ حَتَّى تَمْتَنِعَ مُنَازَعَةُ غَيْرِهِ لَهُ فَلِذَلِكَ امْتَنَعَ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِثُبُوتِ الْمُقَرِّ بِهِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ الْهَرَوِيِّ وَكَذَا الْإِقْرَارُ بِالْوَقْفِ وَنَحْوِهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ مِمَّا لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِ الْمُقِرِّ لَمْ يَمْتَنِعْ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِثُبُوتِهِ إذَا ثَبَتَ الْإِقْرَارُ، وَكُلُّ مَا ثَبَتَ صَحَّ الْحُكْمُ بِهِ وَبِصِحَّتِهِ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ إذَا حَكَمَ بِالْإِقْرَارِ وَبِصِحَّتِهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا الصِّحَّةَ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّا لَا نَحْكُمُ بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا حَتَّى يَتَعَدَّى حُكْمُهَا إلَى الْغَيْرِ، وَلَا يُسْتَبْعَدُ ثُبُوتُ الصِّحَّةِ وَالْحُكْمُ بِهَا فِي حَقِّ بَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ هَكَذَا أَلَا تَرَى لَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ عَبْدًا كَانَ أَحَدُهُمَا أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ حَكَمْنَا بِالْحُرِّيَّةِ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ.
فَإِنْ قُلْت: مَا مَعْنَى الْمُوجَبِ، وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الصِّحَّةِ؟ . قُلْت: أَمَّا السُّؤَالُ الْأَوَّلُ فَبَيَانُهُ أَنَّ الْمُوجَبَ هُوَ الْأَمْرُ الَّذِي يُوجِبُهُ ذَلِكَ اللَّفْظُ، وَالصِّحَّةُ كَوْنُ اللَّفْظِ بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْأَثَرُ، وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ، وَالْأَوَّلُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَالثَّانِي شَرْعِيٌّ، وَقِيلَ عَقْلِيٌّ، وَإِنَّمَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِهِ لِاسْتِلْزَامِهِ لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَالْحَاكِمُ لَا يَحْكُمُ إلَّا بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَهُوَ الْإِيجَابُ، أَوْ التَّحْرِيمُ، أَوْ الْإِبَاحَةُ، أَوْ الصِّحَّةُ، أَوْ الْفَسَادُ عَلَى مَا قُلْنَا، وَكَذَلِكَ السَّبَبِيَّةُ، وَالشَّرْطِيَّةُ، وَالْمَانِعِيَّةُ وَلَا يَحْكُمُ بِكَرَاهَةٍ، وَلَا نَدْبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا إلْزَامَ فِيهَا مُبَاشَرَةً، وَلَا اسْتِلْزَامًا بِخِلَافِ تِلْكَ الْأُمُورِ.
(فَإِنْ قُلْت بَيِّنِ الْحُكْمَ بَيْنَ مُوجَبِ الْإِقْرَارِ، وَصِحَّةِ الْإِقْرَارِ مَا بَحَثْنَا، أَوْ الْحُكْمُ بِالْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي) . قُلْت: مُوجَبُ الْإِقْرَارِ ثُبُوتُ الْمُقَرِّ بِهِ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ، وَلُزُومُهُ لَهُ ذَلِكَ مَعْنَى الْمُؤَاخَذَةِ، وَصِحَّةُ الْإِقْرَارِ كَوْنُهُ بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ مِمَّنْ يَصِحُّ إقْرَارُهُ، وَأَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا، وَلَا يُكَذِّبَهُ حِسٌّ، وَلَا عَقْلٌ، وَلَا شَرْعٌ، وَأَنْ تَكُونَ صِيغَةً صَحِيحَةً، وَالْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ يَسْتَدْعِي حُصُولَ ذَلِكَ، فَإِنْ عُلِمَ ذَلِكَ بِأَنْ عَلِمَ الْقَاضِي حُصُولَ هَذِهِ الشُّرُوطِ حَكَمَ بِالصِّحَّةِ أَعْنِي صِحَّةَ الْإِقْرَارِ

اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 374
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست